قبل سنوات صدر كتاب بالإنكليزية عنوانه «ماذا تريد النساء من الرجال»، وكانت الصفحات في داخله كلها فارغة إلا من رسم رمز الدولار. وصدر بعد ذلك بقليل كتاب عنوانه «ماذا يعرف الرجال عن النساء»، وكانت صفحاته كلها خالية تماماً. بانتظار تطوير جنس ثالث أعتقد أن الجنسين يستحقان أحدهما الآخر، وقد تذكرت الكتابين وأنا أتابع زيارة العقيد معمر القذافي إيطاليا، وقد ازدان صدره من ناحية بالنياشين، ومن ناحية أخرى بصورة تعود الى ايام النضال ضد الاستعمار الإيطالي. كان كل همي ان تخلو الزيارة من لحظات حرجة، غير ان صورة الأخ العقيد أوحت لي ببعض الرياضة الفكرية، وأخذتُ أسأل نفسي إزاء نياشينه عن أصغر كتاب بالعربية وعنوانه، وأول ما طلعت به هو «الانتصارات الحربية العربية في القرن العشرين». أو لعله «أحزاب المعارضة الليبية» أو «أحزاب الموالاة الكويتية»، أو «برنامج الفضاء العربي» أو «حقوق المرأة في البلدان العربية» أو «البرنامج النووي العربي»، أو «فهارس التعريب والترجمة». أنتظر ان يقترح عليّ القراء عناوين أخرى لأصغر كتاب عربي قبل أن أعود الى المواقف الحرجة والعقيد وإيطاليا، فهناك طرفة قديمة تقول ان السفن الحربية الجديدة لسلاح البحرية الإيطالية قعرها من زجاج. والسبب ليستطيعوا رؤية السفن الحربية الإيطالية القديمة. والطرفة هذه أنقذتني من حرج ففي حرب البوسنة قيل ان إيطاليا استسلمت، وأصبحت لا أتكلم عن حرب عربية ونتائجها إلا وأقول ان ايطاليا استسلمت. وبعيداً من اي حرب عربية أو ايطالية كان هناك خلال زيارة العقيد لحظات نادرة محرجة ربما كان اشهرها إلغاء رئيس البرلمان الإيطالي مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع الزعيم الليبي بعد ان تأخر هذا عن الوصول ساعتين. لو تأخرت أنا عن موعد لقلت إنني وجدت الطريق مغلقاً، غير ان رئيس دولة لا يملك هذا العذر. راجعت مع اصدقاء مواقف حرجة تعرض لها كل منا، وكان «أحرج» ما طلعت به هو يوم ذهبت الى حفلة استقبال في مبنى الأممالمتحدة خلال دورة الجمعية العامة في التسعينات، ودخلت القاعة وأنا أعتقد أنني سأرى الرئيس ياسر عرفات ومرافقيه، إلا أنني لم أره فقد كنت في مؤخرة طابور كبير من المدعوين للسلام على الرئيس، ولم أنتبه الى ان أكثر الناس سود. وأخيراً وصلت ووجدت رجلاً لا أعرفه وزوجته، وتبين انني في حفلة لجنوب افريقيا، وأن ابو عمار في قاعة مجاورة. قال صديق سمع قصتي: هكذا فقط. بسيطة، وأكمل قائلاً انه سأل أمرأة في اي شهر من الحمل هي، وردت بحدة انها غير حامل. هذا موقف لا يجوز الوقوع فيه، فلا أحد عاقلاً يسأل امرأة هذا السؤال مع احتمال ان تكون سمينة. وكنت صغيراً في بيروت سمعت من امرأة حامل فعلاً ان شابة وقفت لها في الترامواي وقدمت لها مقعدها، وقالت الحامل: لا لزوم. شكراً. أنت في مرحلة حمل أكثر تقدماً مني. وردت الشابة انها ليست حبلى. وشعرت بالإشفاق على صديق قال انه كان يسير في شارع شبه خال في لندن واستوقفه شاب طلب منه ان يعيره هاتفه المحمول، لأن هاتف الشاب وكان بيديه معطل، فهو يريد الاتصال ليدفع ببطاقة بلاستيكية أجر وقوف سيارته في الشارع. وقال الصديق انه وجد شكل الشاب مريباً فاعتذر لأنه لا يحمل هاتفاً، ولم يكمل كلامه حتى كان الهاتف يرن في جيبه. وأعود الى الأخ العقيد، فالزيارة لم تخل من غرائب والقذافي يحكي لنساء ايطاليات عن الفرق بين الرجل والمرأة شكلاً وقدرة. وهو تأخر عن كل موعد له ولم يغضب سوى رئيس البرلمان، في حين أسرع سيلفيو بيرلوسكوني للفلفة الموضوع، حتى لا يعرقل صفقات تجارية كبرى قيد الدرس بين البلدين. والحارسات الحسان جلبن الأنظار إلا انهن لم يرتكبن اي خطأ ينفذ منه الذين يبحثون عن أعذار لانتقاد ليبيا وزعيمها. والأخ العقيد لم يتعاقد مع فريق كرة إيطالي، جوفنتوس مثلاً، للترويج لأفكاره التي يحملها «الكتاب الأخضر» كما فعل مع فريق هوكي جليد ألماني يوماً. أما الخيمة فقد تعوّد الأوروبيون عليها، وقد رأيتها تنصب في باريس وأنا عائد من رحلة صيد. وكنت بعد ان انتهت زيارة ايطاليا بسلام عدت الى الأصدقاء والمواقف الحرجة وسمعت قصتين لا أصدقهما أرويهما على ذمة القائلَيْن وهي واسعة. قال واحد انه ذهب الى عيادة طبيب العيون بعد ان شعر بأنه يحتاج الى تغيير نظاراته الطبية. وهو دخل غرفة فيها امرأة فقال انه يحتاج الى نظارات طبية جديدة. وردت: حتماً أنت تحتاج، لأنك في تواليت السيدات. وقال آخر انه رفع نظارتي شابة عن وجهها وقال لها انها من دون نظارات تبدو حسناء جداً. وردت: أنا من دون نظارات أراك حسناً. ولا أصدق قصته ولكن أعرف ان افضل علاقة هي بين امرأة لا ترى ورجل لا يسمع.