عاش جنوب السودان أول يوم بعد إعلانه رسمياً دولة مستقلة وسط كرنفالات شعبية استمرت حتى فجر أمس في جوبا عاصمة الدولة الوليدة. وشرع رئيس الجنوب سلفاكير ميارديت مشاورات مع القوى السياسية لتشكيل حكومة جديدة واستكمال بناء الدولة ومؤسساتها، فيما بدأت تحركات عسكرية في ولاية النيل الأزرق المتاخمة للجنوب، ما يهدد بحرب جديدة في المنطقة. وتواجه الدولة الجديدة مشاكل عدة أبرزها بناء المؤسسات والمرافق الحكومية القادرة على تسيير شؤونها، كما تواجه حركات تمرد مسلحة مناوئة ل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الحاكمة. وناقشت القوى السياسية الشمالية والجنوبية في قصر الرئاسة في جوبا تعزيز العلاقات الشعبية والسياسية بين دولتي السودان. وشارك في المحادثات زعماء أحزاب «الأمة» الصادق المهدي و «المؤتمر الشعبي» حسن الترابي و «الشيوعي» محمد إبراهيم نقد وممثلون عن «الحزب الاتحادي الديموقراطي» وقوى أخرى. واقترح المهدي «توأمة واتفاق عهد إخاء» يستند إلى مبادئ الاعتراف المتبادل بين الدولتين. واعتبر انفصال جنوب السودان «حدثاً محزناً ومؤسفاً ودليل إخفاق يعبر عن فشل في إدارة البلاد»، لكنه رأى أن «هناك فرصة لمستقبل علاقات طيبة بين البلدين، بعد إخفاق إدارة البلد الواحد في الاستدامة». واعتبر أن دولة الجنوب «ستواجه في مولدها مشكلات سياسية واقتصادية وأمنية بلا حدود»، مضيفاً أن «القيادة الجنوبية الحالية تُدرك ذلك، ومن ثم أقدمت على تجاوز خلافاتها مع خصومها». إلى ذلك، أكد السفير عوض الكريم الريح أول قائم بأعمال سفارة السودان في دولة جنوب السودان الجديدة التي افتتحها الرئيس عمر البشير في جوبا ليل أول من أمس، أن «هناك حرصاً كبيراً وإرادة سياسية كبيرة في السودان على مد الجسور القوية وبناء علاقات بناءة مع دولة الجنوب الوليدة، بحيث لا يتم تجاوز الوقائع والحقائق التاريخية أو المصالح الاقتصادية والروابط الاجتماعية والثقافية». ورأى أن اعتراف البشير بالدولة الجديدة علانية أمام جميع دول العالم ثم توقيعه اتفاق تبادل ديبلوماسي «يعكس رغبة في توطيد العلاقات مع الدولة الجنوبية في جميع المجالات وفتح كل المرافق التي تقدم الخدمات المختلفة للشعب في الجنوب وتساعد في تدريب وتأهيل الكوادر البشرية تأميناً لاستقرار الجنوب الذي سينعكس على استقرار الشمال». وأعرب عن أمله في أن يؤدي استقلال الجنوب إلى إزالة التوتر وأسباب الضغائن، بما يتيح خلق واقع جديد يسمح للأجيال المقبلة بالتوصل لشكل من أشكال الوحدة أو التكامل بين شطري السودان. وأوضح أن إجراءات ستتخذ من أجل معالجة القضايا العالقة بين دولتي السودان والتعقيدات الناجمة عنها، خصوصاً المتعلق منها بوجود مئات الآلاف من الجنوبيين في شمال السودان. وقال إن الخرطوم مستعدة لتطوير التعاون مع دولة الجنوب بما يسهل حركة المواطنين في الدولتين، «ونحن جاهزون لأي تعاون، وقد يكون ذلك عبر اتفاق حريات أربع بين الجانبين تشمل حرية التنقل والتملك والعمل والإقامة». إلى ذلك، اعترفت إسرائيل بدولة جنوب السودان أمس وعرضت تقديم مساعدات اقتصادية لها بعد الانفصال عن السودان الذي لا يقيم علاقات مع الدولة العبرية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام مجلس الوزراء: «أعلن هنا أن إسرائيل تعترف بجنوب السودان، ونتمنى لها النجاح. إنها دولة تسعى إلى السلام وسنسعد بالتعاون معها كي نضمن تنميتها ورخاءها». وأكد مسؤولون في تل أبيب أن إسرائيل تتطلع إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مع جنوب السودان. وكان محتفلون رفعوا العلم الإسرائيلي في جوبا عشية الاستقلال. ودعا وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي حكومته إلى الشروع فوراً في مفاوضات مع جنوب السودان من أجل إعادة اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين الذين عبروا الحدود إلى داخل إسرائيل «بطريقة غير مشروعة» خلال السنوات الماضية. وأعلن بيس تيانغ، وهو لاجئ من جنوب السودان في إسرائيل، تعيينه رسمياً قنصلاً عاماً لجنوب السودان في تل أبيب، موضحاً أنه تحدث مع عدد من كبار المسئولين في جوبا الذين وافقوا على ترشيحه لهذا المنصب. ويعيش في إسرائيل آلاف اللاجئين والعمال المهاجرين من السودان الذين تسللوا إليها عبر سيناء المصرية. وأقام تيانغ بالفعل مكتباً قنصلياً لرعاية شؤون جنوب السودان في مدينة إيلات. وأشار إلى أن خبرته الواسعة في إسرائيل وعلاقاته مع بعض من أعضاء الحكومة فيها من بين الأسباب التي أدت إلى مصادقة جوبا على تعيينه ومنحه الصلاحيات الديبلوماسية والإمكانات الخاصة من أجل افتتاح قنصلية جنوب السودان الجديدة في إسرائيل. وفي تطور لافت، وجهت «الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال» قواتها وآلياتها عقب إعلان دولة الجنوب بالانتشار في ولاية النيل الأزرق المتاخمة للجنوب التي يحكمها رئيس الحركة في الشمال مالك عقار. وأصدر حاكم ولاية النيل الأزرق بالوكالة العميد علي بندر قراراً بإعادة قوات الحركة الى الشمال، في احتفال بالانفصال شمل عرضاً عسكرياً للمقاتلين الشماليين في الجيش الجنوبي بآلياتهم الثقيلة في مدينة الكرمك القريبة من الحدود الإثيوبية. وقال: «نريد من القوات أن تنتشر داخل حدود 1956». ورفض تسليم أسلحة «الجيش الشعبي» إلى الخرطوم، ورهن ذلك باتفاق سياسي وتنفيذ اتفاق إطار وقعه عقار مع مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع في أديس أبابا أخيراً. وحذر من أية محاولة لنزع السلاح بالقوة، لافتاً إلى أن ذلك سيقود إلى نسف الاستقرار في المنطقة. واتهم جهات لم يسمها بأنها تريد إشعال الحرب في الولاية، قائلاً: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي إذا اضطررنا الى ذلك». وأضاف أن «عرضنا العسكري رسالة إلى الجهات المسؤولة وليس عبثاً، ونتحدى أية جهة كانت أن تنزع السلاح من الجيش الشعبي بالقوة». وقال قائد المقاتلين الشماليين في الجيش الجنوبي في الشمال اللواء أحمد العمدة بادي: «نحن دعاة سلام لكن إن تم إرهابنا بالحرب سنقودها وسنمزق السودان المتبقي... احببنا بعضنا بعضاً وسعينا إلى الوحدة لكن السياسات فرضت علينا هذا الواقع». وشدد على أن «السودان المتبقي إذا لم يخدم فيه أحدنا الآخر فإننا سنسعى الى المصير نفسه». وتعيش ولاية جنوب كردفان المتاخمة للجنوب، وشملها اتفاق السلام أيضاً، مواجهات منذ حزيران (يونيو) الماضي بين الجيش السوداني والمقاتلين الشماليين في الجيش الجنوبي ما أدى إلى مقتل العشرات ونزوح أكثر من 70 ألفاً من ديارهم.