أكد عدد من المراقبين أنه لا يمكن القبول بالمزايدة على دور السعودية في ما يخص القضية الفلسطينية، وذكروا في تصريحات إلى «الحياة»، أن السعودية بذلت جهودا مضنية في منع التمدد الإيراني في ما يخص أفريقيا، كما أن السعودية تقف جنباً الى جنب مع اليمنيين لمنع ايران من استخدام اليمن اداة تحقق لها أهدافها التي تتبناها الثورة الإيرانية. وقال المحلل السياسي سليمان العقيلي إن ولي العهد لم يتطرق في جميع تصريحاته إلى اعتراف منفرد باسرائيل، وانما قدم رؤية منفتحة للعلاقات الاسلامية - اليهودية وللتعايش بين اتباع الديانتين، وللمصالح المشتركة التي يمكن ان تتحقق للعرب والاسرائيليين نتيجة تحقيق السلام في الشرق الاوسط. وذكر العقيلي أن خصوم المملكة الذين «يختلقون الاكاذيب ويثيرون الغبار حول السياسة السعودية هم الذين صرحوا نيابة عن صانع القرار السعودي بعلاقات اسرائيلية - سعودية، في تفسير خاص بهم غير دقيق موضوعيا، لكنه يتناسب مع حاجات حملاتهم السياسية ضد السعودية». مشيراً إلى أن خادم الحرمين الشريفين وولي العهد أكدا مرارا بصورة واضحة لا لبس فيها «تمسك المملكة بمبادرة السلام العربية الهادفة إلى اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهو موقف مبدئي تاريخي». وذكر أن تصريح ولي العهد بنجاح المملكة في اخراج ايران من أفريقيا تعبر عن الواقع، وخصوصاً ما اثمرته الدبلوماسية السعودية من تأمين القرن الافريقي، ليتسق مع الامن القومي العربي، ويبتعد عن اللعبة الايرانية، فالسودان واريتريا واثيوبيا وجيبوتي والصومال خارج التأثير الايراني، وجميع هذه الدول تنتظم الان في المشروع الاقتصادي الاقليمي، الذي تقوده المملكة، كما ان دول غرب أفريقيا تطهرت من التبشير الصفوي، ويحتاج تحصينها إلى تنشيط العلاقات الثقافية الرسمية مع شعوبها، بعد انقطاع وتجميد نشاطات المؤسسات الخيرية. بعد شكوك ال11 من أيلول (سبتمبر). ويمكن ان ينحصر التأثير الايراني في تمويل وتسليح جماعة «بوكو حرام» بنيجيريا، وعلى رغم انه تم ضبط ومصادرة شحنات أسلحة ايرانية امام الساحل النيجيري فإن الامداد الايراني للمتطرفين مايزال مستمراً. وبالنسبة لحال التطرف في المملكة، أوضح العقيلي أن الاعتراف السعودي بالمشكلة أتاح فرصة مواجهة شاملة واستراتيجية مع المتطرفين، الذين كانوا يتلقون دعماً ايرانياً، لأن طهران حاولت ان تكون بديلاً استراتيجياً للغرب عن المملكة في الشرق الاوسط، وهي لذلك استثمرت التطرف الاسلامي السني سياسياً، ما حقق لها مكاسب في الاراضي العربية بتسهيلات غربية. ولفت إلى أن «التطرف عدو استراتيجي للاسلام وللسعودية، ولذا اعتمدت المملكة في السابق سياسات شاملة للمعالجة، لكنها في الوقت الراهن تقدم مقاربات اكثر جذرية، عبر الاصلاحات الثقافية والاجتماعية». وعن الوضع اليمني، كشف العقيلي أن الوضع اليمني بدأ يزداد تعقيداً بسبب تطورات البرنامج الصاروخي الايراني، الذي وصلت نشاطاته الى عمق اراضي المملكة، وهذا ما يدفع الرياض إلى تبني مقاربة جديدة اكثر حزماً، في الجانبين العسكري والسياسي. لا مزايدة على مواقف الرياض من جانبه أوضح المحلل السياسي العراقي رعد هاشم أنه لا أحد «يتمكن من المزايدة على دور المملكة العربية السعودية في التزام قضايا الأمة العربية والإسلامية والدفاع عنها، وتقديمها الدعم المادي والسياسي والمعنوي، واقتطاع جزء من مدخولاتها وتقاسمها مع الأشقاء العرب، وفي مقدمة القضايا قضية فلسطين، إذ يعتبر دور الرياض محورياً وأساسيا في تثبيت أسس عملية تضمن الحق الفلسطيني، وفق عملية سلام شامل، تحقق الأمن والاستقرار. وهكذا تبني المملكة رؤيتها وتصورها وتحكم علاقاتها وفق منطق توازنات العلاقات الدولية، التي تهيئ أجواء تخدم مصالح الشعوب في المنطقة، ولعل محاولات بعض الجهات التصيّد في الماء العكر للتشويش على الموقف العروبي المخلص للعربية السعودية لتشويه الحقائق، محكوم عليها بالفشل أمام سطوع الحقيقة، كونه لا توجد للسعودية علاقات أو مواقف سرية خلف الكواليس، إنما سياستها الرصينة ثابته ومعلنه لا تشوبها المحاولات اللئيمة التي تتعمد الإساءة والتحوير بقصد الإساءة والتشهير». وأضاف هاشم أن السعودية «تحركت بجهود إنسانية في معظم الدول الأفريقية التي تعتنق شعوبها الدين الإسلامي، انطلاقا من حرصها على التسامح وروح الحفاظ على جوهر الدين الإسلامي النقي والخالي من البدع والمعتقدات البالية والأفكار الضالة، وعلى دعم خطوات الوعي، وهكذا كان ومازال للمملكة العربية السعودية دورها المسؤول في الدفاع عن صورة الاسلام الحقيقية في معظم دول العالم، وتحديدا في قارة أفريقيا، فجاء حضورها الفاعل، في المجال الإغاثي والإنساني، ودعم المشاريع الهادفة، وخلق فرص العمل، ليلغي الأثر في إبعاد شبح المشروع التوسعي العدواني الإيراني، الذي يعمد الى ترسيخ معتقدات نظامه الشوهاء في سيادة الولاية المطلقة للفقيه المعتوه، في تلك البلاد المسلمة وشعوبها الحية المؤمنة بصدق العقيدة وصفائها، بعيداً عن أفكار ملالي طهران الضالة، التي سرعان ما تكشفت توجهاتها وأبعادها اللئيمة». وقال هاشم إن توجه السعودية «منذ البدء وهي تحارب كل أشكال ونزعات التطرف، ولعل الدولة والشعب فيها كانوا السبّاقين معا للاستشعار والتنبّه الى ظواهر وممارسات منحرفه وضالّه غريبة عن المجتمع، وعملا على محاربتها، كما توجهت في أوقات مبكرة لاستنفار كل الجهود من أجل القضاء على بذور وأفكار ذات طابع إرهابي، وقدم الشعب السعودي كثيرا من التضحيات بتقديم خيرة أبنائه شهداء، درءا لخطر الإرهابيين الذين حاولوا العبث بأمن البلاد والمنطقة عموما، كما تعاونت مع دول الإقليم والدول الكبرى في مجال مكافحة الإرهاب، ولم تتوان السعودية في المشاركة المباشرة في مقارعة الإرهاب، بعكس ما تشيعه ايران من افتراءات ضد المملكة، بزعم تصدير الإرهابيين، والمجتمع الدولي يعرف بوضوح أن نظام قم وطهران هم من يصدر الفوضى والإرهاب بأشكاله ويخلق المشكلات لاستهداف السلم والأمن في دول الجوار والعالم». وأضاف: «إذا حاولت إيران استغلال ما يحصل في اليمن للتأثير في أمن المنطقة، فإن الجميع يدركون أن لدى السعودية «إمكان وقدرة، إذا ماسخرتهما فستعمل في وقت قياسي على قبر أطماع النظام الإيراني المتخلف كافة الى غير رجعة.. ولعل شعوب المنطقة تتطلع إلى الدور السعودي، وأملها كبير بنتائج زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتأثيرها الإيجابي في المنطقة والسلم والأمن الدوليين، ودفع شرور إيران وعدوانها، وتقليم مخالبها، المتمثلة بميليشياتها الهوجاء، لتحجيمها وردعها، بالتنسيق والتعاون مع المنظومة الدولية، التي تقدّر عالياً الرؤية السعودية ومكانتها الرفيعة بوصفها مرتكزا للنهوض والتقدم وعاملا إيجابيا فاعلا على كل المحاور». لا خيار لإسرائيل سوى السلام من جهته، ذكر المحلل السياسي الكويتي عبداللطيف الراضي أن حديث ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الأخير لمجلة «تايم» الأميركية «كان استثنائيا في اسلوب الصراحة واسترجاع التاريخ، ليس لمجرد طرح رؤى تنظيرية، وانما للتأكيد أن السياسة التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية في التعامل مع الخارج واضحة وضوح الشمس، ومعلنة وليست مستترة، فأفعال الامير محمد بن سلمان على ارض الواقع هي ذاتها ما يتحدث عنه، سواء في العلن أم في الاجتماعات المغلقة، ما يعطي صدقية لما يقوله». واضاف الراضي أن «تشخيص الوضع في الحالة مع اسرائيل، وفق ما ورد في حديث ولي العهد السعودي، هو رساله واضحة إلى اسرائيل بأن الاستمرار في المواجهة مع العرب والمسلمين لن تجدي نفعا، وليس امامهم إلا السلام، وان اسرائيل يجب أن تعي ذلك، ولا بد لها من أن تسلك مسارا ايجابيا كي تبدد المخاوف التي يعيشها العالم الاسلامي»، أما في ما يخص ايران، أوضح الراضي أنها احد اضلع المثلث الذي اشار اليه الامير محمد بن سلمان، وبذلك فإن الحديث عنها في هذا الجانب يؤكد ان هناك موقفا صارما تجاهها قد يكون الاكثر صلابة منذ عام 1979، كما ان الموقف مختلف في آليات التعامل معه»، لافتاً إلى أن «السعودية اليوم لديها قدرة سياسية دبلوماسية قادرة على التحرك خارجيا، وقادره على فضح التدخلات الايرانية، والتعامل مع الجيوب الايرانية في بعض الدول، التي تحاول ان تتمدد، ولعل الامر اكثر وضوحا في افريقيا، وكذلك في منطقة الشرق الاوسط». وما اشار اليه الامير محمد بن سلمان في شأن الوضع في اليمن يؤكد سلامة الاجراءات التي تمت في اعلان عملية عاصفة الحزم. ولولا التدخل لانقاذ الشرعية في اليمن لآل الوضع الى امور أسوأ مما عليه الامر الآن. ولذلك فالصراحة في تأكيد عدم استبعاد التدخل البري «هي رسالة يجب ان يعي امرها المتمردون في اليمن، وعلى رأسهم الحوثيون، من أن زمن العبث بامن واستقرار الشعوب، من خلال محاولة سلب الشرعية، انتهى منذ انطلاق عاصفة الحزم». وعن تصريح ولي العهد في شأن التطرف والارهاب قال الراضي إن ذلك «يؤسس لمنهجية جديدة في مواجهة الارهاب، ليس مواجهة عسكرية وامنية فقط، وانما تجفيف منابع تغذية الارهاب بالافكار المتطرفة، وهو ما قد يؤدي الى معالجة جذريه قد لا تكون قصيرة المدى، ولكنها اعادة قراءة التاريخ لفهم الحاضر والتأسيس للمستقبل، وذلك هو مثلث المنهج الجديد للامير محمد بن سلمان، الذي يعي ابعاد طبيعة المجتمع السعودي المحافظ، ويقدر ذلك، وفي الوقت نفسه يؤكد سلامة الدعوة الوهابية من اي تأويلات تنسب اليها، منوها بأن الواقع في التيار السني السعودي تاريخيا وحاضرا هو في ما ورد لدى الأئمة الاربعة».