لن يأسرك اتزان وهدوء رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية رئيس تحرير مجلة «البيان» أحمد الصويان فحسب، بل عمقه الفكري، ومتابعته لمجريات الساحة الفكرية المحلية والعالمية وتفهمه لاختيارات الإسلاميين فيها أياً كان موقعهم. يتعاطى مع الحركات الإسلامية على رغم اختلافاتها وفقاً للواقع التي تعيش فيه، وليس من الواقع الذي هو يعيشه. يعتلي هرم مجلة هي الأقرب لقلوب المحافظين، تحمل بين دفتيها نفَساً إسلامياً صارماً، لم يتأثر إلى حد ما من عواصف التغيير التي طرأت على عدد من الإسلاميين، إلا أنه يحمل فكراً تكاملياً ذا صبغة تسامحية. لا يؤمن بالإقصاء أو الازدراء لكل الإسلاميين المخالفين له. ويرى أن الخصومة الحالية بين المحافظين والإصلاحيين أصحاب الصبغة الإسلامية نوع من عدم النضج. يسعى لتبرير ممانعة السلفيين للديموقراطية، وينتصر للمحافظين على خلفية اتهامهم بتهميش القضايا الإصلاحية وانشغالهم بفزّاعة التغريب. يرفض الثنائيات، كالشرعية أو الحرية، وتفهم حديث الشيخ يوسف القرضاوي حين طالب بأولوية الحرية على الشريعة في واقع شبيه بتونس قبل الثورة، على رغم أن مجلة البيان انتقدت ذلك في إحدى افتتاحياتها. نثر عدداً من الأفكار حول الصحافة والحركات الإسلامية والثورات والإصلاح والعلمانية .. في ما يأتي أسئلة الحوار: بداية... الرابطة الصحافة الإسلامية متى بدأت، وإلى ماذا تهدف؟ - تأسست الرابطة في عام2006، في بيروت، ولنا الآن تقريباً خمس سنوات، ولوجود صحافة إسلامية واسعة الانتشار في العالم العربي ووجود خبرات وتجارب كبيرة في هذه الصحافة، رأينا أن تكون رابطة تكون إطاراً للتنسيق بين هذه المؤسسات المختلفة في العالم العربي، فهدف الرابطة أساساً هو تحقيق هذا التواصل والتعارف والتكامل والتنسيق وتبادل الخبرات.. ولله الحمد في هذه الفترة أنجزنا إنجازات طيبة من حيث التواصل وتحقيق أهداف الرابطة. ما أبرز هذه الأهداف؟ - التواصل وتبادل الخبرة. كيف يكون تبادل الخبرات؟ هل من خلال دورات معينة أم ماذا؟ - طبعاً في الجوانب التحريرية وما يتعلق بجوانب التسويق والتوزيع، وغير ذلك من المتعارف عليه في الصحافة بشكل عام. ولا يخفى عليك أن الصحافة الورقية تعاني من مشكلات في ظل العمل الالكتروني والصحافة الالكترونية. كما أن هناك مؤسسات صحافية لها حضور في مناطق وضمور في مناطق أخرى، فيمكن أن يكون هناك تنسيق لزيادة الانتشار الصحافي في الدول المختلة. مثلاً مجلة «البيان» لديها مشكلة في توزيعها في العراق، لكن هناك صحف عراقية ممكن أن نتعاون معها من اجل تسويق المجلة ودفع مسيرتها في المنطقة وهكذا. ما إشكالية مجلة «البيان» في عدم دخول العراق؟ هل هي محظورة أم صعوبات في التوزيع؟ - ليست محظورة لكن بسبب الوضع الاقتصادي من جهة، والأمني من جهة أخرى، إضافة إلى التوتر الحاصل مع ضعف شركات التسويق وضعف الفرص التسويقية، أيضاً، وهو ما يجعلنا نميل إلى ما يسمى بالتكتلات التي تقوي مسيرتها. تكتلات لوجستية (خدمية) أم تكتلات أخرى في طرح مواضيع مشتركة؟ - أيضاً يمكن هذا إذ حصل مرات عدة الاتفاق على حملات مشتركة ضد قضايا متفق عليها كقضية القدس، إذ يمكن أن نتفق على خطاب موحد إزاء هذه القضية وكذلك قضية الحملة الأوروبية عن الحجاب مثلاً. حالياً لدينا حملة عن وحدة الأمة. هل دافع حملة «وحدة الأمة»... الثورات العربية الحالية؟ - لا، في ظل الدعوة إلى حركات انفصالية في العالم العربي كحركة الانفصال في جنوب السودان، وحركات انفصالية أخرى في العراق وما تشهده اليمن من دعوات انفصالية وكذلك في المغرب، وغير ذلك من الدعوات الانفصالية التي تحتاج إلى التأكيد على وحدة الأمة وضرورة الترابط والتعاون إلى آخره. كصافحة ورقية يومية... لكم حضور في العالم العربي الإسلامي؟ - نعم، في عدد من الصحف فيه مثل صحيفة «السبيل» الأردنية (يومية)، صحيفة التجديد المغربية أيضاً إسلامية كلها ضمن رابطة الصحافة الإسلامية. ما الدول المشاركة في الصحافة الإسلامية؟ - صحيفة «السبيل» الأردنية والمجتمع الكويتية والبيان وصحف من اليمن مثلاً «الصحوة» صحيفة من اليمن، وفي البحرين والكويت والعراق ومصر وفي لبنان صحيفة «الإيمان» كما في السودان المغرب الجزائر. ممكن تحرر لي مصطلح رابطة الصحافة الإسلامية؟ وما هو الشيء الذي يميزها عن أي صحافة أخرى؟ - أي أنها صحف ملتزمة محافظه تتبنى الرؤية الإسلامية في معالجة كل القضايا. الصحافة الآن فيها اتجاهات فكرية متعددة. نحن نمثل الصوت الإسلامي وبالتالي نحن نحرص على أن نتبنى قضايا الأمة من خلال رؤيتنا الإسلامية إزاء مثل هذه القضايا. بعض الصحف الالكترونية التي طابعها إسلامي ربما لا تتفق إلى حد ما مع توجه الرابطة... هل ممكن أن يدرجوا معكم؟ - طبعاً الطيف الإسلامي فيه تنوع بالفعل، ونحن في الرابطة نمثل كل هذا التنوع ما عندنا إشكال في هذا التنوع. ما عندكم إشكال من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار الإسلامي؟ - يعني ليس بهذه الحدية. المهم أن يكون فيه قبول وتناغم، طبعاً نحن وضعنا ميثاق شرف. هذا الميثاق هو أحد شروط الانضمام إلى هذه الرابطة. فإذا قبلت المؤسسة الصحافية الانضمام أو قبلت الموافقة على هذا الميثاق، معنى هذا أنها قبلت عضوية الدخول في هذه الرابطة، هذا يندرج على الصحافة الورقية. أما الصحافة الالكترونية فإننا إلى الآن ما قررنا. في الاجتماع المقبل في إسطنبول، سيكون موضوع الصحافة الالكترونية أحد أجندة الاجتماع. ألا تعتقد بأن حضور الرابطة محلياً ضعيف؟ - الهدف من الرابطة تحقيق التكامل والتنسيق مع المؤسسات الأعضاء وهي رابطة تضم في عضويتها المؤسسات الصحافية وليست الأفراد (الصحافيون) وبالتالي ليس من دور الرابطة أن تعالج الاهتمامات المحلية اليومية وإنما هي أقرب إلى الإطار الإداري والتكامل منه إلى التفاعل مع الحدث اليومي. المجلات الإسلامية قليلة وتشهد ضعف مهني إلى حد ما... هل تسعون لتعزيز الجانب المهني؟ - المؤسسات المحلية المنضوية تحت الرابطة، هي «البيان، الإسلام اليوم، الأسرة، منارات، روائع» المجلات الأعضاء المنضوية تحت الرابطة، نسعى لتعزيز المهنية في تلك المجلات، لكن هذا بعيد عن الجانب المالي. لكل مؤسسة استقلاليتها المالية. الإدارة «المشيخية» للمؤسسات الإعلامية... كيف تراها في الساحة الإعلامية الإسلامية؟ - هناك مشكلة سائدة في الإعلام العربي بشكل عام أن المتخصصين قلة، والعاملون أكثرهم يعملون بالخبرة أكثر من التخصص، ولا شك في أن هذا يؤثر في انطلاقة الصحافة، لكننا جزء من هذا الواقع. ما رأيته من خلال لقاءاتي مع المؤسسات الإعلامية الإسلامية في العالم العربي الإسلامي أنها حريصة على الجانب المهني، وتحاول ترتقي بالجانب المهني بشكل سريع. نلحظ أن أسماء شبابية حضرت في مجلة «البيان» وحضرت معها الاختلافات الفكرية الموجود في شارعنا المحلي، في حين اختفت أسماء سابقة كعبدالعزيز الجليل وعبدالعزيز كامل... هل تغيرت سياسة المجلة؟ - وجود الشباب هدف بالنسبة إلينا، وفي أي عمل نحتاج إلى دماء جديدة وروح جديدة، تشترك معنا. هذا الكلام منذ زمن وليس جديداً، وحول حضور الشباب في الآونة الأخيرة فلأن القرب من الشباب مهم، ولأنهم الشريحة المستهدف (الشباب المثقف ذو الرؤية الشرعية). من ناحية تناول القضايا المحلية... هل خففتْ «البيان» من عالميتها؟ - نحرص ألا نغرق في المحلية، لأننا مجلة عالمية، لكن هناك قضايا مشتركة، نحاول أن نحقق خطاب مشترك في كل الدول، ولا يوجد إشكال في معالجة القضايا المحلية، لكن ليس هو الأصل في خطاب المجلة. ما معايير استقطاب الكتاب لديكم في المجلة؟ - لا تهمنا الأسماء بقدر ما يهمنا مضمون ما يُكتب. في كثير من الأحيان نستقبل عدد من الأسماء في العالم العربي من دون أن نعرفهم، يهمنا مضمون المقال وهل يتلاءم مع رسالة المجلة أم لا؟ هناك أسماء تطرح مضموناً جيداً ما... لكن لا تحضر عندكم؟ - ليس لأننا لا نسمح لهم، لكنهم لا يكتبون للمجلة. نحن نشعر بأن المادة التي تنشر في مجلة البيان فيها تنوع كبير، ونحاول نتجاوز الجانب الإقليمي والمحلي، كما نحرص على التنوع في الطيف الإسلامي. ما الأسماء التي استضفتموهم ومحسوبين على غير توجهكم؟ - لا أحب التصنيفات الحادة. أي كاتب يقدم فكرة جيدة فهو مني، أما إذا قدم فكرة بعيدة ومخالفة لأصل شرعي فهو ليس مني. أسماء كالترابي والغنوشي ممكن يحضرون لديكم؟ - المجلة ليست للإثارة، نحن لا نستضيف أحد لتسويق المجلة، نحن مؤسسة فكرية تحمل فكر ورؤية شرعية، وإذا أردنا نقيم حواراً في المغرب لن نذهب للغنوشي، نذهب مثلاً لمولاي ابن حماد أو أحمد الريسوني وغيرهما. العبرة ليست الرغبة في إثارة الجدل. نحن نقدم رسالة فكرية من دون تشويش فكري. ممكن أن نناقش أفكار الترابي أو الغنوشي، لكن لا نستضيفهم. من حيث المبدأ لا إشكال في استضافتهم، إذا كان الهدف إبراز الحقيقة العلمية، لكن ليس الهدف الإثارة للإثارة أو للتسويق. هناك من يرى أن الإسلاميين لديهم فقر سياسي ولا يمتلكون وعياً سياسياً... كيف ترى ذلك؟ - أعتقد بأن الوعي السياسي الإسلامي يحقق نمواً كبيراً جداً وخطاب الإسلاميين السياسي الآن، على رغم عمره قصير، فيه نضج ووعي وإدراك كثير للمناورات السياسية. لو أردت أخذ تقويمك لعدد من الأحزاب الإسلامية في العالم... كيف ترى خطاب العدالة والتنمية في تركيا؟ - بالتأكيد لديهم نضج ويعد حزباً إسلامياً، لكن علينا أن نقرأ الخطاب التركي من خلال معطيات الواقع التركي. من الخطأ أن نقرأه من خلال الواقع المحلي. «الإخوان» المسلمون في مصر... كيف ترى خطابهم السياسي الحالي؟ - خطاب واعٍ وذو أفق سياسي ناضج، سواء من الإخوان أو السلفيين أو المستقلين، هناك نضج واضح، لكن قد يكون هناك أخطاء وفلتات، وهي طبيعة مقبولة. السلفيون في مصر كانوا متذبذبين في الثورة؟ - التذبذب ليس خاصاً بالسلفيين. النظام كان متذبذباً. حزب العمل والوفد والإخوان كان لديهم تذبذب، بل حتى الحكومات الغربية كأميركا كانت متذبذبة. لم يكن هناك استقراء للواقع، وحين استقرت الأوضاع أصبحت الصورة واضحة. ما رأيك بخطاب سعد الدين العثماني في المغرب وراشد الغنوشي في تونس؟ - العثماني صديق ومن كتاب مجلة «البيان» لفترة طويلة، حزب العدالة والتنمية المغربي ناضج وواعٍ واستطاع أن يبني منظومة سياسية للحركة الإسلامية. ويعد أكثر وعياً من عدد من التجارب الإسلامية الأخرى. سعد الدين العثماني ترك الحزب الآن لكن بديله عبدالإله بن كيران له تجرب جيدة. أسس الحركة الإسلامية المعاصرة ويحمل خطاباً واعياً وراشداً. كيف تُقوِّم فصلهم العمل السياسي عن الدعوي... وتعاطيهم للسياسة؟ - فصلهم للعمل السياسي عن الدعوي شيء جيد، العدالة والتنمية تمثل المعارضة، وتؤدي أداء واعي وعاقل وحققت نجاحات كبيرة في المغرب. بل استطاعوا أن يتجاوزا أحزاب عريقة، حتى أصبح الاتجاه الإسلامي أقوى اتجاه مستقل. كما أنهم فرضوا أجندتهم على الواقع المغربي. كما وقفوا أمام المشروع اللائكية والعلمانية المغربي الذي يريد إدماج المرأة في التنمية. وما رأيك في تعاطي راشد الغنوشي السياسي في حركة النهضة التونسية بشكل عام؟ - كان أداؤهم في الثورة وما بعد الثورة مميز. لم يتبن الغنوشي الثورة ويحتكر خيار الشعب. كان أحد مكون خيارات الشعب. كان متوازياً في خطابه. لم يطلق تخويفاً للسياسة المحلية والخارجية. لذا لا يمكن للواقع السياسي أن يقصي حزب النهضة. الصوت الإسلامي في الإعلام الورقي.. ما رأيك فيه، وكيف تقوم الملاحق الدينية؟ - الصحافة المنبر الإعلامي الأول للعمل الإسلامي بشقها الورقي. كانت مجلة المنار لمحمد رشيد رضا، والشهاب والعروة الوثقى... هي الصوت الإسلامي الأقدم. واستمر اهتمام الإسلاميين بها. إذاً ما سر النكسة الحالية للإسلاميين في الصحافة، ولا سيما أنهم يرددون دوماً أنها بأيد الخصوم وليست بأيدينا؟ - لا يمكن أن تحاكم الإعلام الإسلامي من خلال جزء محدود من الوسائل، إذ الصحافة بشكل عام تشهد انحصاراً، وهناك مزاحمة من الإعلام الجديد لها، كما أثرت في تسويق الصحافة الورقية. هذا ضعف عام. أما الملاحق الدينية المحلية، الملاحق فيها فائدة كبيرة جداً وتقدم مادة ثرية، وبرأيي أنها تحتاج إلى أمرين. الأول: تقترب أكثر من الهموم المحلية. لأن كثيراً من الصحافة لا يوجد بها اهتمام بالجوانب الدينية بشكل كبير. الأمر الثاني أن بعضها لا يخلو من رتابة، لا في العرض ولا المعالجة. وأحب أنبه أن الجانب الديني لا يكون في ملحق، إنما هو الأصل. الدين هو الذي يحركنا في كل الميادين. ملحق ديني كأننا نقول أن الصحيفة ليست دينية. هذا خطأ منهجي. الدين حاضر لا تأخذها بهذه الحَرْفية... هناك مواضيع تندرج ضمن الخير العام؟ - إذاً، هي دينية بهذا الشكل. ولا يلزم استشهاد بأية أو حديث حتى تكون دينية. مجلة «البيان» توضع في قالب المحافظين المهتمين بمحاربة التغريب كأولوية، وهناك طيف إصلاحي ذو صبغة إسلامية ناقد لهم بأنهم لم يغادروا مربع التغريب على رغم أن هناك قضايا أهم... كيف ترى ذلك ومن المستفيد برأيك من ذلك؟ - عندي تحفظ على هذه التصنيفات. فهي ليست موضوعية وليست واقعية. وحتى لو اعترف عليها اصطلاحاً لأنها لا بد من أن تضبط. لأنها قد تكون تزكية أو تهمة. ما يطرح من دعوة إلى العدالة والإصلاح هذا مطلب شرعي. العدل مقصود كل إنسان منا. قد نختلف في أولويات وطريقة العرض والأدوات التي نستخدمها، لكن أيضاً مواجهة التغريب مطلب شرعي. هل محاربة تغريب أولوية؟ - تختلف من منطقة لأخرى. على الصعيد المحلي؟ - تعد واحدة من الأولويات... ولا يعني أن نهمش الأشياء الأخرى. لا نهمش استقلال القضاء والحرية وغير ذلك. أنا لا أحب افتعال المشكلات. إما هذا أو هذا. لما لا نقول هذا وهذا. كأنك إذا تبنيت الدعوى إلى التغريب أهملت الاستبداد وهذا خطأ. لكن حضور الجانب التغريبي مقارنة بمحاربة الاستبداد متفاوت؟ - صحيح. لماذا لا نطرح هذا بطريقة تكاملية لا تعارضية. في وقت مضى، أصبح هناك نوع من التطاحن بين المحافظين والإصلاحيين... كيف ترى ذلك؟ - هذا خطأ في التفكير وفي رؤيتهم للجانب السياسي.. يجب أن نتبنى الإصلاح بشكل عام. كما يلحظ بعض المتابعين أن هناك تقاتلاً على شباب الصحوة الإسلامية من المحافظين والإصلاحيين...هل هو حاضر؟ - هو حاضر، لكنه جزء من عدم النضج لدى الطرفين. هذه القضايا لا بد من أن ينظر لها بشكل تكاملي. لماذا نفتعل المشكلات؟ فالنظرة الشرعية تقتضي مواجهة التغريب وفي الوقت ذاته نطالب بالعدل والحرية وإصلاح المجتمعات. كل هذا يحقق التكامل. ألا تعتقد بأن أكثر المستفيدين من إطلاق الحريات هم الشرعيون؟ - لدي قناعة راسخة أن الحرية سوف تحرر الإنسان. وتحرر الشرعي وتجعله يصدع بالحق. وتجعله يقلل من الإقصاء. لكنكم تحفظتم في كلمة مجلة «البيان» على الشيخ يوسف القرضاوي، حين قال إن المطالبة بالحرية مقدم على الشريعة؟ - الشريعة هي الأصل. وهذه مشكلة الثنائيات التي تأتي كأنها تُحدث تصادماً فكرياً، بينما المفترض تحقق تكامل. ما قاله الشيخ القرضاوي لا بد من أن ُيقرأ في سياقه السياسي. حين ينزل كلامه على الواقع التونسي فنعم. لأن تونس قبل الثورة كانت مقهورة ومستبدة. والمطالبة بالحرية لها بداية الخطوة. هذه برغماتية (نفعية)؟ - لا، هذه مرحلة الطبيعية تقود إلى النتائج. هناك أسماء إسلامية تطالب بالعلمانية الجزئية فصل الدين عن السياسة؟ - هذا افتعال للمشكلة. الدين لا يمكن أن يكون بمعزل عن السياسة. حين ينفصل القرآن عن السلطان يحصل الانحراف. الدين منظومة كاملة. يحقق نجاحات في كل شيء، حين انطلق في السياسة من رؤية شرعية لا يعني أني معصوم. في العالم الإسلامي، لا نرى في مجلس وزراء الخارجية رجلاً شرعياً، على رغم أن معظمها يدّعي يطبيق الشريعة؟ - لا توجد مشكلة بأن يوجد غير شرعي ويمارس العلم السياسة، أهم شيء لا ينعزل السياسي في منطلقاته عن الشريعة. كما أن الشرعي إذا أراد أن يتخذ موقفاً سياسياً لا بد من أن يشاور أهل السياسية. وجود الفجوة بين الشرعي والسياسي أو الاقتصادي هو المشكلة. هناك من يقول إن السياسي يعمل والشرعي يكيف الأمر شرعياً فقط؟ - المفروض أن يسمو «الشرعي» حتى لا يكون أداة ولا يستبد السياسي عن شرع الله. في الثورات العربية لم يرفع أحد شعارات دينية أو لافتات إسلامية... ما تعليقك على ذلك؟ - الثورات خيار الشعوب. وهي أرادت أن ترفع خيارها، لتطالب بالعدالة السياسية والاجتماعية وفي القضاء، وهذه هي الرسالة الأساسية. وهذه رسالة تتفق عليها كل التيارات. الاستبداد والظلم لا يقبلهما رجل النخبة ولا رجل الشارع العادي. هذا سبب نجاح الثورات أنها خيار الشعوب وليست خيار النخب. الديموقراطية حظيت بمباركة للتيارات الإسلامية كافة ما عدا الحيز السلفي لا يزال ممانعاً.. كيف ترى ذلك؟ - قناعتي بأن الديموقراطية ليست هي التي حررت الشعوب. الديموقراطية التي قدمت هي صورية وليست حقيقة. هي وسيلة لامتصاص غضب الناس. الديموقراطية في العالم العربي ليست حقيقية. في الواقع كأننا في مسرح العرائس نعطي جرعات حتى نروض المشاغبين. من حيث المبدأ الثورات لم تقدمها الديموقراطية وكذلك لم يقدمها ابن لادن. الثورات كانت بسبب شعور القهر وإذلال الناس. يريدون العزة والكرامة حين يرفض السلفي الديموقراطية لا يعني ذلك أنه يقبل بالاستبداد. السلفيون يطالبون بالعدالة واحترام حقوق الانسان...الخ الديموقراطية في رأي المباركين لها أداة ليس أكثر؟ - اللغط يكمن في توصيف الديموقراطية، ولا سيما أنها نشأت في واقع غربي، ونحن أردنا ننتزع الفكرة ونطبقها في واقع مختلف سياسياً واجتماعياً...الخ. حسني مبارك حكم 30 عاماً قهر الشعب باسم الديموقراطية، والجزائر تسقط خيار الشعب باسم الديموقراطية، وابن علي كذلك. الديموقراطية شوهت. من حق السلفيين أن يصفوها بالفشل. السلفيون يرفضونها من مبدأ أن الشعب يحكم الشعب وليس لأنها فاشلة...أليس كذلك لكن هل يوجد لديهم بديل؟ - العمل السياسي في الفعل الاجتماعي هو الدستور الذي يحكم الممارسات العملية، والدستور هو شرع الله المنزل على الرسول. ممكن أن يكون هناك انتخابات، وبعد ذلك تكون هناك محاكمة للتطبيقات وليس في إيجاد تشريعات أو أنظمة متصادمة مع شرع الله، وهذا هو الواقع في العالم العربي. الدستور هو الأصل ونعايش العمل الانتخابي. كيف ترى تعاطي الشرعي مع الاستبداد؟ - عقلية الاستبداد، كان لها تأثير في المؤسسات الاجتماعية والمؤسسات الأكاديمية، وجعلت الكل يتأثر بهذه العقلية الاستبدادية. كما كان لها اثر في التنمية والتقدم الصناعي وعلى جوانب كثيرة جداً، وأثرها وخيم على كل المستويات. دينية أو غير دينية. الاستبداد يصنع ببغاوات، لا يجيدون إلا التصفيق، ويكرس ل«ما أريكم إلا ما أرى» وهذا ما رفضته الشعوب. الشعوب تريد العدل. إذا حضر البغي حطم كرامة الإنسان. ليست هذه المشكلة التيار الديني. هي مشكلة اجتماعية في كل المسارات العربية. يجب أن يكون الصوت هو إقامة العدل. والعدل قيمة مطلقة واجب في كل حال مع كل احد. هناك من يعيب على إسلاميي البحرين عدم الوقوف ضد الاستبداد؟ - أول الحركات الاحتجاجية كانت في اتجاه الجوانب الظلم والاستبداد. لكن لما تحول الشعار إلى شعار طائفي استئصالي وتحولت الأجندة إلى خارجية. وجد أهل السنة بمختلف اطيافهم القضية قضية طائفية، تريد استئصال السنة من جذورهم. لأن الاحتجاجات كانت ترفع شعارات خارجة عن المتفق عليه.ومع ذلك لا بد من أن نطرح العدالة مع اليهود والنصارى وكل الطوائف المبتدعة. والظلم مرفوض مع الكل، فمن بغى علينا لا يجوز نبغي عليه. . هل أنت متفائل بالمستقبل العربي وهو كما ترى على صفيح ساخن؟ - متفائل بشكل عام والمبشرات كثيرة. وعي الشعوب له دلالة كبيرة على تغيير الواقع.