«صُعقت عندما عرفت ان فيلم «حرائق» يتناول الحرب اللبنانية، إذ ظننت أول الأمر انه يتحدث عن حرب خيالية»... بهذه الكلمات يُبادر الشاب التشيخي في الكلام حين يعرف انك لبناني قبل ان يبدأ بطرح الأسئلة عليك حول رأيك بالفيلم، وهل هناك مبالغات. ولا تلبث ان ترى علامات الارتياح على وجهه حين تخبره انك تشاركه الإعجاب نفسه بهذا الفيلم الكندي الذي عرف كيف يصوّر بإتقان جنون الحرب اللبنانية وعبثيتها من خلال قصة إنسانية قد تكون أقرب الى الميثولوجيا الإغريقية. ولا يختلف رأي هذا الشاب التشيخي عن رأي كثر من جمهور كارلوفي فاري. ففي خيارات الجمهور لأفضل خمسة أفلام معروضة في كل أقسام المهرجان، حلّ «حرائق»، حتى كتابة هذه السطور، في المركز الأول، متفوقاً على الفيلم الأميركي المميز «متعاون» الذي حلّ ثانياً، والفيلم الألماني المتقن «شروخ في الصدفة» الذي حلّ ثالثاً. واللافت ان الفيلمين الأخيرين عرضا ضمن خانة أفلام المسابقة الرسمية، فيما عرض «حرائق» المأخوذ عن نص مسرحي للبناني وجدي معوض في إطار استعادة لعدد من أفلام المخرج الكندي دينيس فيلنوف. ولعل في ملاحظة الشاب التشيخي تكمن قوة الفيلم الذي ارتأى ان يتناول حرب لبنان من دون ان يسمّيها، للتشديد على ان بشاعة الحرب واحدة وإن اختلف المتقاتلون. طبعاً قد تبدو الإشارات الكثيرة التي يتضمنها الشريط حول مكان النزاع عصيّة على الجمهور الغربي غير العارف بنزاعات منطقتنا، لكنّ هذا لا يهمّ كثيراً، لأن اهمية هذا الفيلم بالذات انه قريب وبعيد من لبنان، بالمستوى ذاته. فالمهم، هنا أيضاً، سبر أغوار النفس الإنسانية للتعرف أكثر فأكثر الى الطبيعة البشرية، وبالتالي التعرف أولاً الى «الأنا» وما يمكن ان تمارسه من ارتكابات وفظاعات، قبل ان نسأل عن «الآخر».