بيروت - لندن - «الحياة»، رويترز - مع تصاعد الحركة الاحتجاجية في مدينة حماة السورية بوسط البلاد، يواجه النظام السوري مأزقاً في ما يتعلق بأحداث تلك المدينة التي يبدو أنها خرجت عن نطاق سيطرة الامن بعد انسحاب القوات الامنية منها منذ 3 حزيران (يونيو) الماضي. فاذا سمح النظام ببقاء المحتجين في الشوارع فستنحسر سلطته، واذا ما أرسل دبابات الى المدينة التي ما زالت أشباح ما حصل فيها عام 1982 تخيم عليها فانه يخاطر باشعال اضطرابات أكبر كثيراً في الداخل وعزلة أعمق عن العالم الخارجي. وما زالت دبابات الجيش على مشارف ثلاثة مداخل للمدينة التي يقيم سكانها تحصينات لمنع الجيش من دخولها، لكن قوات الامن تشن عمليات في احياء سكنية ما أسفر عن 22 قتيلاً على الاقل. ومع تصاعد الحركة الاحتجاجية يتبادر إلى الاذهان ذكريات قتل ما بين 10 آلاف و30 ألف شخص عندما دخلت قوات الجيش المدينة للقضاء على حركة معارضة قادها اخوان سورية، وسويت أجزاء من الحي القديم بالارض. وبعد 22 عاماً من هذه الاحداث ردد المتظاهرون في حماة هتافات يطالبون فيها بالاطاحة بالنظام. وقال رامي عبدالرحمن رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان انه اذا دخلت الدبابات حماة وقضت على الاحتجاجات فستشتعل سورية كلها من الجنوب الى الشمال ومن الشرق الى الغرب. وأضاف أن «النظام سيكون معزولاً دولياً لان حماة لها رمز تاريخي». واختفت قوات الامن بصورة كبيرة من حماة قبل شهر بعد أن قال نشطاء ان 60 محتجاً على الاقل قتلوا عندما اطلقت قوات الامن النار على حشود المتظاهرين. وأدى الفراغ الامني - والذي قال البعض انه تضمن اختفاء حتى رجال المرور - الى زيادة جرأة السكان وتحولت الاحتجاجات الاسبوعية بعد صلاة الجمعة الى تجمعات كبيرة تقام ليلاً ونهاراً. وفي يوم الجمعة الماضي أظهرت لقطات فيديو عشرات الآلاف في الساحة الرئيسية بالمدينة وقال نشطاء ان 150 ألف شخص على الأقل حضروا التجمع مطالبين برحيل النظام. وفي اليوم التالي تم عزل محافظ حماة وظهرت الدبابات على مشارف المدينة. وبقيت الدبابات خارج حماة حتى اول من أمس، لكن نشطاء قالوا ان قوات مسلحة دخلت المدينة وقتلت وأصابت العشرات. ويقول ديبلوماسيون ان الطريقة التي يتعامل بها النظام مع حماة من الممكن أن تحدد اتجاه الاضطرابات في سورية على الاقل في المستقبل القريب. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في آذار (مارس) مزج النظام بين القمع وسلسلة من التنازلات للمتظاهرين بما في ذلك الوعد بإجراء حوار وطني في شأن الاصلاح السياسي. واتضح أن هذا المزيج بين الترغيب والترهيب له نتيجة عكسية. ويقول نشطاء انهم لا يمكن ان يجروا محادثات مع السلطات بينما يستمر القتل في أنحاء البلاد. وقال ديبلوماسي في دمشق لوكالة رويترز «هناك مسار سياسي ومسار أمني ويبدو أنه ليس هناك اتساق بينهما... حماة هي الاختبار... اذا بقت الدبابات على مشارف المدينة وابتعدت في نهاية الامر فسيبدو أن الغلبة كانت للمسار السياسي». ومضى يقول: «اذا استمر بقاؤها وقيامها بطلعات داخل وسط المدينة فربما يكونون قد عادوا الى الحل السياسي... لذلك فان ما يحدث هناك خلال الايام القليلة القادمة سيكون عاملاً أساسياً». وقال عبدالرحمن ان «الرسائل المتضاربة» من السلطات تعكس الانقسامات الحقيقية في القيادة العليا. وأضاف: «هناك جناح من السلطات يريد حلاً عسكرياً في حماة وهناك جناح آخر يرغب في حل ديموقراطي». وقال آخرون ان وعود الاصلاح مجرد واجهة خارجية. قالت ريم علاف الزميلة في «تشاتام هاوس» وهو مركز أبحاث «انهم يدعون الى الحوار... وفي الوقت ذاته الجيش السوري موجود عند مدخل حماة... انها المظاهر الاكثر وضوحاً عن مدى عدم صدق النظام في الحوار». وربما يتردد النظام السوري في ارسال الجيش الى حماة خشية اغضاب روسيا والصين عضوي مجلس الامن الدائمين واللتين ما زالتا تقاومان الضغوط الغربية لاصدار ادانة من الاممالمتحدة لسورية. وقال ديبلوماسي يقيم في دمشق «مؤيدو سورية في مجلس الامن وهما روسيا والصين... حتى هما ربما يرفضان العمل العسكري في حماة». لكن محللين يقولون ان القيادة التي تركز بشكل متزايد على «بقاء النظام» من غير المرجح أن تهتز للانتقادات الدولية.