إذا أردنا أن نسمي المرحلة الراهنة في المسيرة المصرية الإعلامية المرئية، يمكن أن نطلق عليها إما مرحلة «الكثرة» أو «الوفرة» أو»الإغراق» أو»الإفراط» أو «المبالغة»، وذلك حسب وجهة النظر. فقبل ثورة 25 يناير، كان هناك عدد كبير من القنوات التلفزيونية الفضائية المصرية التي تكاثرت خلال العقد الماضي، بين أرضية وفضائية مملوكة للدولة، أو أخرى فضائية خاصة ظلت تتبع قواعد لعبة القط والفأر المعتمدة على الكر والفر بينها وبين النظام الذي كان قائماً. ومع سقوط النظام ولوائحه وقيوده وقواعد اللعبة، سال لعاب كثر لدخول مجال الإعلام الفضائي. وفي هذا الإطار نجحت مجموعة من «فلول الإعلاميين» ممن «ارتبطت أسماؤهم بالنظام السابق» - بحسب توصيفات سائدة- في إعادة توحيد الصفوف والخروج بقناة لم تتضح بعد الرسالة الإعلامية الخطيرة أو السياسية الرهيبة التي ستميزها عن بقية القنوات. وقبلها أطلت على المشاهدين قناة حوت جاءت «توليفة» من الإعلاميين المصنف بعضهم بوصفه «المشاغب المستقل» والبعض الآخر «المشاغب الأليف»، فاعتبرت القناة الثورية التي استمدت اسمها من قلب ميدان «التحرير». وبين هذه وتلك قناة ثالثة مولودة كذلك من رحم رجال الأعمال وتضم جيشاً جراراً من الصحافيين والإعلاميين، وتجمع بين غالبيتهم تجربة الطرد المرير من جنة الظهور التلفزيوني، سواء لأسباب مهنية أو خلافية مع ملاك القنوات التي كانوا يعملون فيها، أو لأسباب تتعلق بالشرعية الثورية التي أخرجت كل مقدمي البرامج من غير المعينين في التلفزيون المصري، عملاً بمبدأ «جحا أولى بلحم ثوره». ومن الثور إلى الثورة التي أعادت عدداً من كبار الإعلاميين الذين كانوا مغضوباً عليهم. ومنهم من عاد بقناة جديدة تماماً، ومنهم من وجد لنفسه أو وجد آخرون له مكانة بارزة تحت شمس الفضائيات المصرية بعد الثورة. ولأن الغالبية العظمى من القنوات الوليدة تعتمد في الدعاية والترويج لنفسها في شكل أو آخر، على ثورة يناير، لذا فقد عمد معظمها إلى الاستعانة بخدمات ومواهب شباب الثورة. فمنها ما خصّص برنامجاً أو اثنين يقدمهما شباب وشابات الثورة، ومنها ما خصّص برامج عن الثورة، أو حولها، أو حتى من ميدانها الأشهر «التحرير». الخلطة نفسها يعمل على توليفها عدد من القنوات الأخرى التي انطلقت أو أوشكت على الانطلاق ولكن برداء ديني ليتناسب والمرحلة المقبلة التي يلهث فيها أنصار خلط الدين بالسياسة لتوكيد وجودهم بعد طول قهر وتجاهل. لكن الخلطة بالطبع في هذه الحالة تحتاج إلى نكهة روحانية تستمد جانباً من رونقها من ميدان «التحرير» أيضاً، ولكن كلاً وفق منهجه السياسي ومخططه المستقبلي. هذه الكثرة العددية، التي يمكن اعتبارها إما مبالغة وإفراطاً أو إثراء لساحة ظلت لعقود حكراً على تيارات سابقة التجهيز، فاجأت جموع المشاهدين الذين أنهكهم الدق على أزرار الريموت بين بحث على تردد قناة جديدة، أو العثور على أخرى تائهة، أو مجرد مرور الكرام على الجميع من باب العلم بالشيء. وسواء كانت لهذه القنوات رسائل إعلامية راقية، أو أجندات سياسية خفية، أو مجرد «بيزنيس» باحث عن ربح إضافي، فإن الجميع خاضع لمبدأ «البقاء للأصلح»!