شهد لبنان أمس مهرجاناً خطابياً تحت قبة مجلس النواب، بادئاً جلسة تستغرق ثلاثة أيام لمناقشة البيان الوزاري للحكومة، والتصويت على الثقة بها. تَراوَحَ مستوى الكلمات بين الأدب السياسي الرفيع، والردح الذي تأباه اللياقة السياسية والأدبية. وكان النائب مروان حماده الخطيب الأهم، وإن شئت الصقر الأبرز في جماعة 14 آذار، وهو لخص صورة العلاقة بين طرفي المعادلة اللبنانية، التي وصلت الى خلاف جذري لم تشهده الحياة السياسية اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية، بل إن من استمع الى النائب المعتدل تمام سلام، بات متأكداً من أن إمكانية التعايش بين الأكثرية الجديدة والمعارضة، أصبحت مستحيلة بعد جلسة الأمس. «حزب الله» وحلفاؤه قرروا وضع المقاومة في مقابل لبنان واستقراره، وتيار «المستقبل»، خيَّر خصومه: إما المحكمة أو البلد. هذا يعني أن الجماعة وصلوا الى تطرفٍ ورفض بعضهم لبعض، غير مسبوقين في اللعبة السياسية، وهم ماضون في طريق اللاعودة، ومتضامنون، في حماسة لا يُحسدون عليها، على زج لبنان في ساحة حرب اكبر من قدرات البلد، وربما من المنطقة. لكن الذي يُشغل اللبنانيين، والعرب اليوم، هو على ماذا يراهن كل طرف؟ على ماذا يستند «حزب الله» في هذا التحدي في ظل الوضع الغامض الذي تعيشه سورية؟ وهل سيمضي في هذه المواجهة الحادة التي تخالف وتناقض رغبة اكثر من نصف اللبنانيين؟ وفي المقابل على أي قوة تعتمد جماعة 14 آذار؟ وهل هم في وارد دفع الحزب الى معركة غير متكافئة؟ لا أحد يستطيع ان يتنبأ بخطورة الأيام المقبلة على لبنان واستقراره، ف «حزب الله» تخلى عن السياسة، وقرر مواجهة المجتمع الدولي والساحة الداخلية وجرّ لبنان الى وضع سياسي واقتصادي وأمني مخيف. وخصومه ماضون في رفض طرحه، فضلاً عن أن الحزب لم يدع مجالاً لأمل في الحوار أو التفاوض، وعليه فإن لبنان يسير نحو وضع ربما ينسي المنطقة ما يجري في سورية. الأكيد أن خطب جلسة الأمس تجاوزت قضية الثقة بحكومة نجيب ميقاتي من عدمها. وبات لبنان ينتظر توقيت اشتعال الأحياء والمدن. والمواعيد الدموية لموجة الاغتيالات والسيارات المفخخة. متى يدفع اللبنانيون ثمن المحكمة الباهظ الذي يبدو أنه بات قدراً محتوماً.