«متذوق للجمال والفن، مولع بالحديث عن النسوة اللواتي التقاهن في ترحاله من قرطبة إلى سمرقند، مروراً بباريس وبغداد. نساء حقيقيات متخيلات، طيفهن يلامس الأرض كما روحه... على محبي الأدب أن يقرأوا «العبقري الصوفي جمال الغيطاني»، أن يدعوا علاء الاسواني وصنع الله إبراهيم وكتابتهما «ذات النفس الاجتماعي، التي لا أهمية لها... إلا سياسياً»، كتابات الغيطاني» تسمو بنا، تعلمنا الانبهار من جديد في زمن القنوط هذا، زمن العدم». ما سبق جزء يسير مما ورد في افتتاحية «ترانس فيوج» المجلة الأدبية والفنية الطليعية التي تصدر في فرنسا، والمناسبة نشر دار سوي لكتاب Muses et Egeries ، الذي يجمع من «دفاتر التدوين» كل ما سرده الكاتب المصري عن المرأة. خصت المجلة الغيطاني بتقديم له ولأعماله وبلقاء مطول معه. ورأت المجلة في المذكرات أبعاداً متعددة: «كل إمرأة من نساء الغيطاني، ترجعه باستمرار إلى المكان الأصل وتجسد إمكانية للوجود يحققها الكاتب بالكتابة، وظلاً في حياته يضيء عبر الخيال». واعتبرت الغيطاني وجهاً رئيساً من وجوه الثقافة المصرية، لا ينبغي أن يقرأ ككاتب سياسي فهو «شاعر منذ الأزل بلغته الشعرية الرائعة»، ومنذ عشر سنوات يقدم «شكلاً جديداً جذرياً في دفاتره الثمانية المكرسة للطفولة، للموت او للروح...» دفاتر، اعتبرت من الأعمال «الأكثر جمالاً في الأدب العربي». وفي الحوار، قال الروائي المصري إن الدفاتر شكل خاص في الأدب العربي، فهي «ليست مذكرات وإنما محاولة لإعادة بناء حياة الذاكرة». وهو يجمَع فيها «دقائق وجوده»، وهذا ما جعله يكرس الدفتر السادس للأسماء، لأن الإنسان في الفكر المصري مكون من خمسة أجزاء: «الجسد، الروح، النفس، الظل، والأهم: الاسم. فجوهر الحضارة المصرية يقوم على استمرارية الاسم بعد الموت. والمصريون في الحضارة القديمة بنوا ليبقى الاسم». وذكر الغيطاني أنه يحيا عبر الكتابة اللحظات التي لم تحدث، «وهكذا فألف حياة تخصني»، ويعترف بأن الكثير من الأشياء التي يرويها لم يعشه، وحلم ببعضه فجعل منه حقيقة في «الدفاتر»، وقال إنه اختار أسلوب الاعتراف لأن القارئ يحب الاحساس بأنه شاهدٌ على حياة ممنوعة «أجعله يعتقد أنني أعترف له ولكن هذا طُعم!». والنساء اللواتي في «الدفاتر» هن في كل مكان «يتجلين ويختفين، وأحياناً يتوقفن في أماكن غير متوقعة». ويرى الغيطاني أن الجمال يتوطن في النظرة، فلا توجد امرأة خالية من الجمال» ولكن «ثمة رجال يرون وآخرون لا يرون»، وفي رأيه ان «الحسية تقود نحو المطلق وكل طرف في اللقاء الجسدي يضيع معنى ذاته ليسمو وهذا بحد ذاته تجربة روحانية». وحول تجاربه المختلفة مع الموت من الحرب إلى القلب المفتوح، تحدث الغيطاني عن هوسه منذ الشباب بفكرة «العدم» وأنه رأى الموت في الجبهة. ويعتقد أن الحياة والموت مسألة حظ، وشرح «رعبه» من فكرة الموت في شبابه لدرجة انها كانت تمنعه من المرور قرب قبر، بيد أنه ما لبث أن تعلم الفرق بين «الموت القادم من الخارج وهذا الذي ينساب في الداخل»، وذكر أن علاقته مع الموت «باتت عادية منذ خضع لجراحتين بالقلب المفتوح». وعن حضور والده الدائم وتردده عليه منذ كتاب «التجليات»، قال الغيطاني: «ذكراه حاضرة ولكنها تتحول إلى صدى مستمر وموجع، فالاحساس بالفقد لا يختفي». وتحدث الغيطاني مطولاً عن تأثره بالصوفية وقال «بحسب مفهومي المحدود، الأديان هي محاولة لشرح الوجود. والرؤيا الصوفية هي الاقرب لي، وابن عربي مرشدي الروحي وإن كانت هناك ثمانمئة سنة تفصلني عنه. لقد بث فيّ فكرة الأصل وحين اتذكر في «الدفتر» الأول شعوري الأول بالحب وعمري خمس سنوات، أجد أنني كرست كل حياتي لأعثر من جديد على هذا الشعور الأول». وأضاف: «الحياة كمرآتين متقابلتين لا يوجد إلا اصل واحد لكنه ينعكس بلا نهاية». وحول مشاركته السياسية قال: «كنت دائماً من اليسار منشغلاً بمصير مصر». وسرد صاحب «الزيني بركات» ان روايته تلك «باتت رمزاً لدى شباب الثورة اليوم لمقاومة الأمن السري والحكومة المصرية»، وأنه أراد باستمرار أن يشارك في ما يدور تحت ناظريه. وروى تجربته في السجن في عهد ناصر، وحلل ما جرى تالياً، فالسادات فتح الباب أمام السارقين على رغم أنه نفسه لم يكن منهم، ومبارك كان بطلاً في عيون الشعب وتحول إلى سارق في الحكومة وإلى الآن لا يدري كيف حصل له هذا التحول. واستخلص أن مصر عرفت محتلين من فرس وإنكليز وفرنسيين ولكن كل هؤلاء كانوا أكثر رأفة من مبارك وممن سبقه. وعن حياته كمثقف في ظل الرقابة والامن، أجاب أنه تعلم الحذر منذ الستينات ولكن في عهد مبارك كان الأمر مختلفاً: «لم يكن يجرؤ على مهاجمتي شخصياً بسبب مكانتي التي وصلت إليها. كان يترك المثقفين أمثالي يكتبون ثم يرسل كتاباً متواضعين يفترون علي في الصحافة. مثلاً قال أعدائي إن كتابي «حكايا المؤسسة»، كتاب عن أسرة مبارك. وهو اتهام كان يمكن أن يقود إلى الحكم بالإعدام علي. هذه أيضاً افتراءات على عملي ككاتب، لأنني لو كتبت عن أسرة مبارك، فهذه كارثة أدبية! كل رواياتي تهاجم القمع الذي يطاول الإنسان، وأولها: الموت». وفي رد على سؤال قال إنه لا يكتب للشعب بل «لهؤلاء الذين يعرفون ان يقرأوا»، فهو لا يريد الاستسلام لرأي العامة في الأدب وعندما يريد مخاطبة الشعب يكتب في الصحافة.