بات الفاصل الكوميدي، شبه اليومي، الذي تقدِّمه قناة «الدنيا»، نقطة جذب للكثير من المشاهدين، الذين ربما يميلون إلى التخفّف من تجهُّم الأخبار، وأنبائها المؤسية، والاستمتاع للحظات بظرافة وخفّة دم القناة، تماماً أكثر مما يرغبون في التأكد من صحة ما تقوله، أو تصديق كذب من تكذّبهم القناة، في هذا الفاصل. يومياً، أو في شكل شبه يومي، تختار قناة «الدنيا» مقتطفات من نشرات أخبار قدَّمتها قنوات «مغرضة»، ومقاطع من فيديوات، أو كليبات، دسَّها «مندسون»، على الشبكة العنكبوتية... وتقوم بالكشف عن أخطاء، وعثرات، ومفارقات، وتناقضات، فيها.. سواء على مستوى الصوت، أو الصورة، أو المعلومة، لتخلص القناة، في الختام، إلى «حقيقة دامغة»، لديها، تتمثل في «كذب» الآخرين، قنوات وأفراداً وشهود عيان! لا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يعرف، أو يفسِّر، لماذا اختارت قناة «الدنيا» هذه الطريقة الخفيفة، في التعامل مع مسألة لا تحتمل مزاحاً، ولا تليق بها ظرافة! إنها تريد تفنيد أشياء مما يرد في نشرات أخبار قنوات فضائية، ودحض عدد من الفيديوات، أو الكليبات، التي تتضمَّن مشاهد عنف دامٍ؛ قتلاً، أو تعذيباً، أو إطلاق نار، أو دوساً بالأقدام على رقاب، أو رؤوس، بشر آدميين... أو التي تتضمن مشاهد من تظاهرات معارضة للنظام، مطالبة بإسقاطه... لتقول قناة «الدنيا»، إن كل هذا لم يحدث على النحو الذي تمَّ تقديمه! أو هو قد حدث فعلاً، ولكن في مكان وزمان، غير سوريين... حدث في منطقة عراقية، أو مدينة لبنانية، أو جامعة أردنية! تهدف القناة، كما هو واضح طبعاً، إلى دحض هذه الصور، وتكذيبها، وتفنيدها، لتردَّ كيد «المتآمرين» إلى نحورهم، ومن أجل فضح القنوات «المغرضة»، التي تتلقف هذه الفيديوات والكليبات، من شبكة الانترنت، وتقوم ببثها، على رغم أنها غارقة في الرداءة التقنية، الناجمة عن المحدودية الكبيرة في جودة الصوت والصورة. لا نريد مجادلة القناة، ولا مناقشتها في ما تذهب إليه من خلاصة في القول، صدقاً أو كذباً... ولكن أن تتعامل قناة «الدنيا»، بهذه الطريقة «المتظارفة»، مع موضوع غاية في الجدية، وينبغي له أن يشكل عصب المهمة الإعلامية لها؛ في الدفاع عن النظام، وتكذيب المعارضين له وفضحهم، لا يمكن إلا أن يدلِّل على ضبابية الرؤية الإعلامية لدى القناة، وميلها الى الارتجال، وحتى السطحية... إلا إذا شئنا أن نردَّ استخدامها اللهجة العامية، بأردأ أنماطها، وأكثرها إسفافاً، و «شوارعية»، والتي يسميها أهل الشام «البوجقة»، إلى وهم متكوَّن لدى القائمين على هذه القناة، ومفاده أنه يمكن مخاطبة الشارع السوري، وإقناعه، عبر هذه الخفّة، و «البوجقة»! فات قناة «الدنيا» حقيقة أن السوريين عموماً قد يستظرفون «البوجقة»، وقد يضحكون منها، وعليها، ولكنهم أبداً لا يثقون بمن «يتبوجق»! إنهم لا يخافون من تهديداته إن هدَّد، ولا يصدقون «عنترياته» إن تحدّى، ولا يثقون بحكاياته إن تحدَّث، ولا يؤمنون حتى بأغلظ الايمان التي يقولها إن حلف! «البوجقة» يمكن أن تليق بشخصيات درامية في مسلسلات، يتابعها الناس، في الأمسيات الرمضانية، ولكنهم ينفرون منها في واقعهم الحياتي، ويعلمون أن ثمة أشياء لا تحتمل المزح، ولا «البوجقة».