واشنطن - «الحياة» - لعل إحدى المفارقات القوية في ظاهرة «ويكيليكس» التي هزّت عوالم السياسة والديبلوماسية والاستخبارات، أن تسريباتها من الوثائق الأميركية بلغت ذروتها بعد زمن يسير من أكتمال بناء «القيادة الأميركية للفضاء الافتراضي» American Command of Cyberspace، التي أطلقت في أيار (مايو) 2010، ووصلت إلى العمل بطاقتها كاملة في تشرين الأول (أكتوبر) 2010! ويزيد في وطأه المفارقة أن وثائق «ويكيليكس» التي يُفترض أنها مُسرّبة، هي صحيحة تماماً. إذ لم يُشكك المسؤولون الأميركيون بها. وفي غير تصريح، أكّدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون صحّتها كلياً، معتبرة إيّاها إحدى أقوى الضربات تاريخياً لأمن الوثائق في الولاياتالمتحدة. ويصعب الحسم تماماً في طبيعة تسريبات «ويكيليكس»، على رغم الميل العام لإدراجها ضمن نشاطات ال «هاكرز» Hackers ، الذين يفترض أنهم يعملون باستقلالية، لكن حراكهم يتداخل بشكل قوي مع الحرب الإلكترونية بين دول مختلفة. وفي ملمح مستجد عن هذا الضرب من النشاطات الرقمية، حذّرت جانيت نابوليتانو وزيرة الأمن الداخلي الأميركية أخيراً، من تفوّق التطور التقني لل «هاكرز» ومرتكبي جرائم الإنترنت، على قدرة الدول على مواجهته. وطالبت نابوليتانو بشن حملة دولية سريعة لمكافحة هذا التهديد الأمني الرقمي. وفي تصريح تناقلته وسائل الإعلام أخيراً، قالت نابوليتانو: «تفتقر معظم الدول حتى إلى إطار قانوني يحكم الإنترنت فعلياً. إنها ظاهرة جديدة في العالم الافتراضي. لذا فإن النُظُم القانونية سواء المحلية أو الدولية، لم تواكب التقدم التقني في العالم الرقمي». وأضافت: «هذه هي الحقيقة المجردة في مسألة نشاطات ال «هاكرز». ينبغي أن نسرع الرد على هذا التحدي». ويزيد في الارتباك المتأتي من تصريح نابوليتانو، أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أنشأ «القيادة الأميركية للفضاء الإلكتروني» في حزيران (يونيو) 2009، مُبرراً إنشاءها بأن حماية أمن الفضاء الافتراضي يفوق قدرة ما امتلكته الأجهزة الأمنية سابقاً، ما يفرض تكامل جهود مؤسسات الأمنية كافة في فضاء الإنترنت عِبر هذه القيادة التي وُضِعت على قدم المساواة مع بقية القوات الأميركية في البر والبحر والجو. وحينها أيضاً، شدّد غيتس على أن التمييز بين الشبكات العسكرية والمدنية الأميركية هو افتراض خاطئ، ما يوجب على قيادة الفضاء الافتراضي العمل ضمن مدى واسع لحماية أمن الولاياتالمتحدة على الإنترنت. وفي هذا الصدد، استهدفت هجمات كبرى على الإنترنت أخيراً، مواقع «صندوق النقد الدولي» و»وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» و»مجلس الشيوخ الأميركي» وشركات كبرى مثل «سيتي غروب» و»لوكهيد مارتن كورب» و»جنرال موتورز» وغيرها. وأثارت هذه الهجمات أسئلة في شأن أمن نُظُم الحاسوب الخاصة بالحكومات والشركات، وكذلك قدرة سلطات تنفيذ القانون على تعقب ال «هاكرز». ورفضت نابوليتانو التي أدلت بتصريحاتها هذه في سياق مشاركتها في مؤتمر أمني دولي، التعليق على وضع التحقيقات المتصلة بهذه القضايا، لكنها شددت على ضرورة أن تزيد الدول قدرتها على التعاون مع بعضها البعض. وقالت: «يتعين أن أقول إننا ما زلنا في المراحل الأولى. لا يوجد إطار دولي شامل للتعامل مع هذه القضية. لنذكر أيضاً أن الوضع ليس افضل حالاً في الاتحاد الأوروبي». وتابعت: «ينبغي المبادرة لإنشاء إطار قانوني دولي متخصّص للتعامل مع هذه الظاهرة... لكن هذا الأمر غير متاح حتى الآن». وقبل أيام من تصريحات نابوليتانو، نفى مسؤول صيني كبير وجود حرب إلكترونية بين الصين والولاياتالمتحدة، وذلك عقب أسابيع من الخلاف بين البلدين في شأن اتهامات موجّهة إلى بكين بأنها شجّعت مجموعات من ال «هاكرز» على شنّ هجمات إلكترونية متنوّعة.