لو كنت مسؤولاً عن ملف التحقيق لمقتل الطفل أحمد الغامدي الذي قتلته زوجة الأب، الحادثة التي هزت المجتمع السعودي لبشاعتها، لضمنت اسم مركز الشرطة الذي ظل (من دون قصد) يماطل الشكوى التي رفعتها أم الطفل المطلقة من أجل الحصول على حضانة ابنها وظلت تراجع إدارة الشرطة من أجل يستمعوا إلى استغاثتها أو يساعدوها، بدلاً من «التطنيش» أو عدم الاكتراث، بل حتى عدم تقديم المشورة. ولكنت طالبت أيضاً بالتحقيق مع الجهات الأخرى التي لجأت إليها الأم المكلومة لتحصل على حضانة أبنائها بعد أن تزوج الأب امرأة أخرى. وكل هؤلاء أعتبرهم شركاء (من دون قصد) في مقتل الطفل أحمد الغامدي. أسأل الله أن يربط على قلب والدته ويعوضها خيراً، وتعازينا إلى إخوته. أعدت قراءة تصريحات خال الطفل «يحي البارقي» الذي كان يتحدث بلسان أخته أم أحمد، وجدت في حديثه حالة من الإرهاق والتعب من شدة الحزن نتيجة إهمال بعض الجهات الاستماع إلى مناجاة أمه من أجل أن تحصل على الحضانة، وحسب ما نشر يقول البارقي: «والدة أحمد طالبت بحضانته أكثر من مرة، وذلك بتقديم شكاوى متعددة في قسم شرطة السلامة. إلا أن قسم الشرطة لم يعر شكاواها أي اهتمام، كما أن شقيقته لم تدخل المحاكم ولم يصدر لها حكم من المحكمة. ويضيف أن شقيقته المكلومة كانت تريد حضانة أطفالها وتسعى جاهدة للحصول على حضانتهم ولكن الأقدار اقتضت أن نشهد هذه النهاية. وبيّن أن شقيقته ربة منزل تحمل مؤهل المرحلة المتوسطة وأن أطفالها لم يزوروها مطلقاً طوال فترة تواجدهم مع والداهم وزوجته، ولم تكن تعرف عنهم أي شيء. وأشار إلى أن والدهم أخذهم عنوة من الأم». انتهى كلام خال الطفل المغدور، لكن ملف القضية يجب أن يكون مفتوحاً، يجب أن نعترف بأن الزوج متسبب (من دون قصد) في هذه الجريمة البشعة، فقد أراد أن يعاقب طليقته بحرمانها من مشاهدة أطفالها، ومهما صوّر للآخرين أن زوجته كانت تحب أطفاله وأنها كانت تتصدق يوميا خلال فترة اختفائه، وأن الطفل أحمد تربى في أحضان زوجته. يجب أن نعترف بأن لا أحد يستطيع أن يمنح الطفل الدفء الحقيقي والعناية والاهتمام كما تعطي الأم ابنها، أنا لا ألوم كل زوجات الآباء فمنهن من ضربن مثالاً للأمومة الصادقة في التفاني والإخلاص. قضية الطفل أحمد تفتح ملف الحضانة في السعودية؛ فهذا الملف شائك منذ سنوات طويلة ومعلق في المحاكم، وكثير من قضايا الطلاق لا تزال تتنقل ملفاتها في أروقة المحاكم من دون جدوى ما بين كسل القضاة وتعاطفهم مع الأزواج مع عدم إلزامهم بإكمال كل الأوراق المتعلقة بالطلاق بين الطرفين ونظرتهم القاصرة تجاه القضايا الأسرية، ولهذا يتهرب كثير من الآباء والأزواج من الالتزام بالمصروف الشهري وفق القواعد الشرعية وحق الحضانة للأم، فمعظم حالات الطلاق في المحاكم أو الشرطة لا يتم تنفيذها بالشكل الصحيح، ولهذا تبقى عالقة بين الطرفين فتكون نتيجتها إما أن يضيع الأبناء وسط خلاف الزوجين، فيتلقفهم أصحاب الفكر الضال والمتشدد ومروجو المخدرات والسلوك غير السوي، فنسهم بذلك في خلق جيل قاعدته هشة، ضائعة حقوقه مسلوبة إرادته، لا يجد من يرشده أو يخطط لمستقبله، تائه ما بين أمه وأبيه المنفصلين وأخواته من أمه أو من أبيه، أمام حالات الطلاق المرتفعة في السعودية التي تصل الى70 حالة يومياً وهو رقم مرتفع ومخيف، ويهدد الأمن الأسري والاجتماعي في السعودية، ويدعم هذا غياب المسؤولية الاجتماعية من قبل الجهات الحكومية في ظل عدم وجود ضوابط وقوانين تنظم عملية التعدد والحقوق الكاملة والمسؤولية لكل طرف، فكل القوانين لدينا في المحاكم تهتم بشأن الطلاق إذا تقدم الرجل، تنتهي خلال يوم أو أسبوع، وإن تقدمت المرأة لطلب خلع ماطلت المحكمة أشهر وقد لا تنتهي لسنوات، حسناً؛ خلال فترة النظر في القضية، هل كلفت الجهات المعنية لمتابعة حال الأسرة والأطفال كيف يتم التعامل معهم، وما هي أحوال هذه الأسرة، لا أشك أن مثل هذه البيوت تتحول إلى كرة لهب بين طرفين، الأطفال هم الضحية. من بين القضايا العديدة التي تمتلئ بها محاكمنا. أذكر لكم قضية موجودة في محكمة جدة لسيدة سعودية تطلقت منذ عدة سنوات يعيش ابنها معها، إلا أن قضية الحضانة أوقفت الكثير من أعمالها، فالأب يرفض الاعتراف بابنه ولا يرغب في تسهيل مهمة إجراء استخراج شهادة ميلاده، والقضية منذ سنوات والطفل كبر وهو الآن في سن الدراسة والدته غير قادرة على أن تدخله المدرسة، كما أنها لا تستطيع أن تعالجه نظرا لكونه لا يحمل هوية أو بطاقة رسمية تثبت هويته، وعلى رغم أن الأم تعيش في مدينة أخرى، فإنها تأتي لحضور الجلسات إلى جدة، ومع ذلك طليقها لا يحضر، ويماطل مستغلاً موقعه الاجتماعي كمسؤول حكومي! أوردت هذه القصة فقط لتروا أن المناصب تلعب دوراً كبيراً في تعطيل وتضييع الحقوق. قضايا الطلاق لا تنتهي في أي من المجتمعات الحضارية البشرية، إنما تتطور إدارات المحاكم والجهات المتعلقة بشكوى الطلاق، نحن بحاجة إلى وزارة أو جهة حكومية تتعلق بالأسرة والطفل، لأن الطفل والأسرة هما عمود المجتمع وكيانه الحقيقي وبه تبني الدول مستقبلها وخططها ومن دون الأسرة واستقرارها، لا قيمة لأي منجز حضاري أو اجتماعي. إذا كانت الأسرة مفككة وغير قادرة على التخطيط. أسهمت هذه الحالة في ارتفاع معدلات الجريمة والعنف الأسري، واعتداء المحارم. في الدول المتقدمة توجد وزارة للأسرة والطفل تعنى بكل شيء فيما يتعلق بحياته ومستقبله، كما أنها تسهم في تحسين أحوال الأسرة ومعالجة المشكلات بالتعاون مع الجهات الحكومية. إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]