على مدار خمسة أيام، ما بين 23 و27 حزيران (يونيو)، حوّل فريق الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، موقف السيارات المقابل لمبنى بلدية رام الله إلى صالة عرض سينمائية مفتوحة للجميع، من خلال فعاليات مهرجان «إنسان» السينمائي في دورته الأولى، وهو أول مهرجان فلسطيني يتناول قضايا حقوق الإنسان عبر أفلام روائية عالمية. لم يكتف هذا المهرجان بتقديم وجبة دسمة من الأفلام المتنوعة الجنسية، بل خلق حالة «مختلفة» لم يألفها الفلسطينيون من المارة وسط رام الله، فهم ألفوا العروض الفنية لفرق وفنانين في الهواء الطلق، على مدار العامين الماضيين. أما العروض السينمائية فبدت غير مألوفة خارج صالة «القصبة»، صالة العرض السينمائي الوحيدة في رام الله، فتحول موقف السيارات إلى صالة عرض «حرة»، باتت على الفور مقصداً للباعة المتجولين، بخاصة الأطفال منهم، يبيعون الذرة المسلوقة والمشوية و «الفوشار» والعصائر والمشروبات الغازية. وهذه الحالة هي ربما ما دفع وزيرة الثقافة الفلسطينية للقول إن المهرجان شكل فرصة تتيح للجمهور الفلسطيني بمختلف فئاته متابعة عروض أفلام سينمائية عربية وعالمية حازت جوائز في مهرجانات دولية مهمة، كذلك فإن من شأن هذه العروض إضفاء أجواء جميلة وغير مألوفة تنعش الحياة الثقافية حيث تعرض وسط المدينة... «صحيح أن هناك دور سينما في فلسطين، وإن كانت قليلة، لكن في رأيي أن عروض الشارع من شأنها تعزيز الثقافة السينمائية لدى العموم»، قالت الوزيرة البرغوتي قبل ان تضيف: «يمتاز مهرجان «إنسان» السينمائي الدولي أيضاً باختياره مواضيع تعالج قضايا حقوق الإنسان، عبر أفلام ذات قيمة كبيرة. السينما تحاكي قضايا البشر وهمومهم على جميع الصعد، وبالتالي تعكس ثقافات الشعوب، وتوصل رسائل مهمة وأكثر قرباً الى الناس، فهي أداة ليست ترفيهية فقط، بل توعوية وتثقيفية، ولها القدرة الحقيقية على التغيير»، معربة عن أملها بأن تواصل الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية جهودها نحو تعميم هذا المهرجان في عديد المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وهو ما أكده يوسف الديك رئيس الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، ويوسف الشايب مدير المهرجان. وكان الافتتاح مع الفيلم الهندي «اسمي خان»، وتدور قصة الفيلم، الذي وصفه الحضور بأنه «أفضل فيلم شاهدوه على الإطلاق»، حول رضوان خان (شاه روخ خان)، وهو شاب هندي مسلم مصاب بالتوحد، يسافر إلى الولاياتالمتحدة عند شقيقه، ويعمل في ترويج مستحضرات تجميل مصنّعة من الأعشاب الطبيعية في الهند، وهناك يتعرف إلى مطلّقة هندوسية، تعيش برفقة ابنها الوحيد «سام»، ويتزوجان بعد تردد كبير، ورفض من أسرته بسبب اختلاف الأديان، ليحمل «سام» اسم رب العائلة الجديد «خان». نقطة التحول في الفيلم تأتي بعد انفجارات 11 أيلول (سبتمبر)، حيث تنقلب حياة خان وأسرته رأساً على عقب، كما هو العالم، لا سيما بعد أن يُقتل «سام»، ابن زوجته، على يد طلاب أميركيين لأسباب عنصرية، كونه «مسلماً»، فتحمّله الأم المكلومة المسؤولية، وتطلب منه الرحيل عنها، ما يخلق جملة أحداث تختلط فيها الإنسانية بالسياسة. ... وتفجيرات لندن وفي ثاني أيام المهرجان، كان الجمهور الفلسطيني على موعد مع الفيلم الفرنسي - الجزائري - البريطاني «نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، ويتمحور حول تفجيرات لندن التي وقعت في صيف العام 2005، ونظرة بريطانيا الى المسلمين وربطهم بالإرهاب، حيث تدور أحداثه عقب التفجيرات، حول عثمان، وهو أب مسلم أسمر اللون من أصول إفريقية يأتي من فرنسا إلى لندن للبحث عن ابنه الذي تركه طفلاً في السادسة لوالدته، وأم بريطانية مسيحية بيضاء تدعى سومرز، تركت ابنتها تعيش بمفردها في لندن، وتأتي إلى العاصمة البريطانية من مزرعتها المعزولة والبعيدة لتصطدم بالتنوع العرقي الذي أصبحت عليه، بخاصة في المكان الذي تعيش فيه ابنتها... يلتقي الاثنان ويرتبطان عاطفياً على رغم الشك والتردد من كل منهما نحو الآخر في بداية علاقتهما، بخاصة سومرز التي تعاني جهلاً كبيراً بالإسلام والمسلمين، فيما يكتشفان الكثير من الأشياء خلال رحلة البحث عن الذات والحب والأبناء المفقودين. وفي اليوم الثالث للمهرجان، عرض فيلم «أسامة» الأفغاني للمخرج صديق بارماك، وهو من أكثر الأفلام الأفغانية حصداً للجوائز على مر الأعوام الماضية، من أبرزها جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي... ويتحدث الفيلم عن امرأة خسرت عملها بعد ان اغلق نظام «طالبان» المستشفى الذي تعمل به، وبسبب القانون الذي يحرّم ظهور المرأة من دون محرم، اضطرت هذه المرأة الى البقاء في المنزل بسبب وفاة زوجها وأخيها، ومع ازدياد الفقر والجوع اضطرت هذه المرأة الى تنكير ابنتها على شكل ولد حتى تستطيع الظهور معه وكأنه محرم، وسمّت هذا الولد/ البنت أسامة، لتبدأ رحلة الخوف والقلق من الانكشاف. ... «بنتين من مصر» أما فيلم «بنتين من مصر» للمخرج محمد أمين، فكان رابع أفلام المهرجان، وهو يناقش مشكلة العنوسة، وهي ظاهرة تزداد معدلاتها في المجتمع المصري في شكل خاص والعربي عموماً... الفيلم يتناول الظاهرة بكل أبعادها. وقد أسند مخرج الفيلم البطولة إلى نجمتين جميلتين هما، المصرية زينة، والأردنية صبا مبارك، علماً أن اختيار الجمال كعنصر لم يأت عشوائياً، إذ إن القضية ينبغي أن تعلو عن مجرد معاناة فتاة مع القبح إلى رؤية عامة لمأزق العنوسة في المجتمع ككل... فكل من الفتاتين تخطت الثلاثين، وهما ابنتا عم، وناجحتان مهنياً.. إحداهما طالبة مثالية، وباتت بعد التخرج موظفة مثالية... والثانية طبيبة تسعى للحصول على الماجستير... ولأن الزمن يجري من بين أيديهما، فقد حرص الفيلم على أن يضع تفاصيل لخوفهما من ضياع الأيام، وهي تفاصيل عميقة ومشبعة بالكثير من الإسقاطات، ما دفع عديد النقاد لاعتباره أهم فيلم مصري العام الماضي. وفي اليوم الخامس، كان جمهور مهرجان «إنسان» السينمائي في دورته الأولى، على موعد مع الفيلم الإيراني - الأميركي «رجم ثريا»، وهو أحد أهم الأفلام التي تحقق حضوراً ولا تزال منذ عامين في المهرجانات العالمية... والفيلم مبني على قصة واقعية حدثت في إحدى القرى الإيرانية عام 1980، ونقلها صحافي فرنسي من أصول إيرانية يدعى فريدوني ساهيبجام، حوّلها لاحقاً إلى رواية بالفرنسية حققت نجاحات كبيرة، حيث نقل الحكاية على لسان زهرة خالة الشابة ثريا، التي رُجمت حتى الموت بتهمة زنا باطلة، لفّقها لها زوجها بالتواطؤ مع شيخ القرية وآخرين. ومع أن المهرجان روائي الطابع، إلا أن القائمين عليه قرروا استضافة فيلم وثائقي، حول مجزرة تل الزعتر في حفل الختام، كما أشار مدير المهرجان، الى مهرجان قادم في أيلول (سبتمبر) ينطلق من تقديم عروض لأفلام وثائقية فلسطينية وشهادات لشهود عيان حول الأفلام أو مواضيعها، ويحمل اسم «حكاوي». المخرج يوسف الديك، رئيس الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، الجهة المنظمة للمهرجان، تحدث عن الجميعة، وسعيها الدؤوب للخروج من رتابة المهرجانات، نحو تحقيق فكرة «السينما للجميع» على أرض الواقع، لذا «اختارت الجمعية أن تقدم مئات العروض في الكثير من القرى والبلدات والمخيمات النائية في الضفة الغربية عبر مشروعها «السينما الجوالة»، ليأتي «إنسان» ليكمل هذه الرؤية عبر مهرجان لأفلام حقوق الإنسان، وفي وسط مدينة رام الله، بعيداً من محددات الصالات ودور العرض وقيودها. واختتم الشايب حديثه بالقول: «يأتي مهرجان «إنسان» السينمائي في دورته الأولى، في وقت لا تزال حقوقنا تنتهك تحت بساطير جنود الاحتلال الإسرائيلي، وعجلات سياراتهم العسكرية، ونيرانهم القاتلة بأنواعها، وفي وقت تسفك فيه دماء عربية على مقربة منا، وأبعد قليلاً، ببنادق لم يتوقعوا أن تتجرأ يوماً على إطلاق رصاصة واحدة على صدورهم العارية، في أكبر انتهاك لحقوق الإنسان... يأتي المهرجان كرسالة حب من فلسطينالمحتلة، والتي تقاتل من أجل الحرية والاستقلال والتحرر من الاحتلال والاستبداد إلى كل الساعين إلى التحرر من الظلم والقمع في وطننا العربي والعالم».