قصيدة غامضة لأعمى الريح رأيت أعمى الريح والمدى كأنه الصدى كأنه الغروب ساعة الشروق أو كأنه ينام بين صفحتين لا يدري به أحد - هل مرّ أعمى الريح من هنا؟ - نعم ولا أقول للذي يزوره إذا رأيته بحق والديك سلّم الأمانة وقل له: نظل أصدقاء فأنت حينما تغيب لا تخونني (2) ما دام هكذا وفوقنا شواخص كالأعين البلهاء هذه النجوم والغيوم كالخراف مارست ثغاءها فكل شيء تحت قبة السماء لم يزل في يدنا معلقاً كجرس القطار 2- لن ترى البستان بعد اليوم (إلى حافظ) ألق على المعربدين نظرة الإشفاق فإنّ حانة الخشوع والحنين لم تكن إلا كما رأيت حديثك اللطيف يا محدثي طويل لكنني أريد غير ما أردت فقل لمن يحلّ عقدة الوجود بالكلام ماذا ترى لكي تحل عقدتي؟ ومال نحوي ثم قال ناصحاً: ما أتعس العشاق أنا أقول عكس ما تقول ما أتعس الخلي والذي هداه عقله وما ألذ ساعة الجنون عندما تحب تسير أعمى خلفه وأنت مبصر وما ألذ ما ترى وأسعد الكلام إذا جرى على شفاه من تحب فقم وقبل النديم واشرب المدام فلن أرى البستان بعد اليوم 3-حكاية الشمع الذي راح يضحك حتى مات هذا الطريق طريقي واليقين غداً كوردة الراح في ياقوتة الماس فاشرب شرابك حتى لو قتلت به ودع فديتك هم الناس للناس أنا الصفي وإبريقي غدا ثملاً من الشراب كندماني وجلاسي وقد نظرت إلى مارق في قدحي وقد أصخت إلى البلوى بإحساسي وأنت تنصح من أودى الجمال به ألا يرى الله في محموم أنفاسي فاسمع حكاية شمع ذاب من وله على الحبيب فألقى ما يعذبه من الدموع ومن هم وسواس وراح يضحك حتى مات في الكاس 4-هاجر كأن النهر لا يجري إلى مجراه كأنا لم نزل في التيه تحت الشمس والرمضاء وهاجر لم تزل تمشي ويقتلها حنين الماء كأن لم ينفجر نبع على قدمين في الصحراء وأن توهم الأشياء غير حقيقة الأشياء فخذ ما شئت من أيامك الخضراء والسوداء والبيضاء واترك لي دم الغرباء لأكتب مجد مملكة معلقة بلا عمد ولا أسماء 5- ماذا سنفعل بالياقوت؟ «الشعر قبض على الدنيا مشعشعة/ كما وراء قميص شعشعت نجم» (سعيد عقل) ما كان ما كان لا كأساً ولا حببا تبقى الحروف على تيجاننا ذهبا لكي تضيء... فلما انفض سامرها على الرماد تجلى جمرها لهبا وأصعب الصعب أن تأوي إلى نسب يؤويك حتى ولو لم تقبل النسبا ماذا سنفعل بالياقوت يا أبت وكلما زاد بعداً زدته طلبا؟ أصل الحكاية أن الشعر كأس طلى والرّاح أجمل ما يروي إذا انسكبا لكنه شف حتى خلته قمراً خلف القميص فلما أوشك احتجبا 6- بلا مرسى في أول ساعات الفجر الدنيا زهرة رمان صهباء ما بين الأحمر والأصفر كان البحر قريباً ويحاول أن يصنع قلبي من زبد لا يصنع منه سوى الغرباء، وصرخت أبي يا سلطان البحر أغثني فأنا مفتون ببريق الأمواج ومنذور لرحيل فوق مراكب بيضاء بلا مرسى أصغى لندائي وتأمل في وجهي وهو يغيب مع الكلمات وقال محمد: يا ولدي من أغراك لتخرج من هجرتك الكبرى؟ هل تطلب مجداً أم ثأراً؟ كن يا ولدي أعقل من أن تسحبك الأمواج إلى بحر لا تعرف أين يكون قل لي من أنت أطفل أم مجنون؟ - هل تدري أين تسير - كلا - هل تعرف أين تموت؟ - أجل في التيه قال وقد أخذته الدهشة: هذا سرّ أبيه أغضى نحو الأرض قليلاً وكمن يقرأ وجه الغيب أشار إلى البحر وقال: فلتشرق شمس الله إذن من هذا البرّ على بحر الظلمات وليخرج من هذا البرّ صبي يضرب غربان الليل بأحجار النورانيين وليغرس رايته عند الملأ الأعلى يصغي لأنين دم الفقراء إذا جاعوا وإذا ما أسود الليل قليلاً يسود الليل لتطلع من كفّ الظلماء شمس الشعراء.