جربت من قبل متعة أن أرزق بمولود، فكانت فرحتي يوم أن ضممت ابنتي «نهى» في ذراعي، لا تضاهيها فرحة أخرى، ثم قدر لي أن جربت فرحة أشبه بتلك في جدّتها علي وغرابتها، إنها فرحة إصدار كتاب. كان ذلك عام 2008 عندما وجدتني أتصفح أول كتاب لي ولد على «الفطرة». صافحته للمرة الأولى في جناح دار العبيكان التي أصدرته في معرض الكتاب لذلك العام. تمنيت أن يكون الموقع خالياً من الناس لأصرخ بأعلى صوتي، وأعبث كما أشاء، أو قل لأرقص. نعم لأرقص. كنت في قمة الطرب! أنا نفسي لم أكن أعرف تفسير ما حدث. ولا طبيعة المشاعر التي اجتاحتني. ليس هذا مبالغة. بل وصفي دون الواقع بمراحل. تمنيت يومها أن أقول للكون كله بأعلى صوتي يا ناس إن كتاباً أصبح يدعى باسمي. ليس ذلك الشعور رغبة في الشهرة. أو حباً للكسب المادي. أو حتى إحساساً بالزهو والأنا. ثم يشاء الله وفي اليوم نفسه أن أقابل الزميل تركي الدخيل في تلك اللحظة، فأجاب عن السؤال الذي قرأه في عيني ثم أردف قائلاً: «أنت اليوم أسعد الناس. جربت هذا من قبل». سعدت كثيراً في داخلي أن كان شعوري هذا طبيعياً وليس ضرباً من السذاجة والطفولة المتأخرة! كانت المرة الأولى التي أقابل فيها الزميل تركي وجهاً لوجه وإن يعرف كلانا صاحبه عبر وسائل الإعلام، فجعل ذلك الموقف له موقعاً في نفسي ظل عصياً على النسيان، وفسح له قلبي مساحة يضن بها على بعض من يفترض أن يكونوا أقرب وألصق. يشاء الله أن تتوقف الإصدارات، ثم يعود معرض الكتاب بحضوره مجدداً في عام 2011 فتستوقفني دار «مدارك»، أثار شكي وريبتي نشرها لكتب عدة للزميل الدخيل وتوزيعها منشورات «المسبار» الذي عرفت من قبل صلته بالزميل الخلوق. وفي ذلك اليوم نفسه استدعيت الموقف السابق، وفاتحت أبا عبد الله في طباعة ما تجمع لدي من أفكار في داره، ورحب كثيراً بالأمر، بل كاد يأمرني أن أفعل، لشدة ما تقبل. كان الأمر اعتيادياً بالنسبة إلي، فالفرحة الأولى مضت، والثانية ذهبت، وظننت الثالثة عابرة، لكنها كما تقول حقاً العامة «ثابتة»، ففي ختام رحلة الطبع، وصلتني رسالة من المدير التنفيذي وفيق وهبي يخبرني فيها بوصول كتابي «في قلب بن لادن... الرجل والعائلة» إلى صحيفة «الحياة» فأسرعت إلى الصحيفة باكراً باكراً، قبل أن يلجها غير إخوة «الاستقبال»، ثم أسرعت إلى سيارتي وفتحت الظرف المرسل، فإذا «الدنيا كما نعرفها» الفرحة كما هي. والصراخ يملأ أرجاء المكان. آخ من أراد أن يسعد فلينجب كتاباً. ويزيد الكتاب الجديد قصة أخرى، ففيه ولحسن الحظ على عكس مؤلفين كثر في أرجاء عالمنا العربي (طباعة الكتاب أشبه بالكابوس)، قضيت في مراحل طباعته رحلة مشوقة ممتعة مع مالك الدار الزميل الدخيل ومديرها التنفيذي الجميل وفيق وهبي. لقد كان رجلاً دمثاً لدرجة أنه لم يفته في نحو 20 رسالة أن يودع في كل واحدة منها ما يروق ويبهج، على رغم أنها في سياق فني بحت. وبإحداها نختم هذا الحديث الذي أردته سطرين فطال كما شأن أحاديث السعداء. «الأستاذ الكريم مصطفى الأنصاري الموقر. تحية تطيب بوصولها إليك (أو تزداد طيباً). قرأت رسالتك مرتين مرة من المدير التنفيذي ومرة من وفيق، وارتحت في المرتين. يحصل التصحيح والتنصيص والتعديل والمقاس كما طلبت (بالضبط). ثم يأتيك كتاب تلو الآخر ساعياً إلى رضاك قبل الطباعة. لست طبيب ولادة لكني ساهمت في إنجاز سبعين كتاباً، كلها في تسعة أشهر. كأن رئيس الدار الأستاذ تركي الدخيل يعطي الكتب إبر الطلق».