كون معظم مساحة منطقة جازان أراضي زراعية تعتمد في ريها على السيول، ولهذا فعدد الأودية التي تتدفق فيها السيول لتروي الأراضي الزراعية كثيرة، وهذه نعمة من الله، وقريباً من ضفاف الأودية اختيرت أماكن آمنة ولا يمكن وصول السيول إليها، وانتشرت التجمعات السكانية (القرى)، وما يؤكد أن اختيار أماكن تلك القرى سليماً، ولا يمكن تعرضه لأخطار السيول، فلم يذكر أي مواطن أياً من تلك التجمعات السكانية تعرض لحوادث السيول، ومع التوسع السكاني، وتحول كثير من التجمعات السكانية القروية إلى مدن بطريقة عشوائية ومن دون تخطيط، كما لعب الطمع دوراً أساسياً في الاستيلاء على أراضٍ في بطون الأودية من دون تقدير لأخطار السيول، أو تدخل الجهات المعنية وفي مقدمها البلديات، التي كانت الطرف الأول غير المقدر لأخطار السيول، فأقامت وأيدت قيام المخططات في بطون الأودية، ورصفت الطرق على جانبي الأودية، وضيّقت مجاريها للدرجة التي لا يمكن استيعابها للمياه المتدفقة، وأكثر من ذلك حرّفت مسار بعض الأودية من دون إدراك للأخطار المحتملة. ولإيضاح التجاوزات والأحداث والأمل في معالجتها فالأضرار ستكون مباشرة والمواطن هو المتأثر، سأتوجه إلى مدينة صبيا والمدن والقرى القريبة منها، كون التجاوزات على مساحتها مشاهدة للعيان وليست بحاجة لمن يبحث عنها. وادي صبيا تتحكم في تصريفه عقوم ترابية عدة (ميلة عجيل - الزريبة - عقم الزكري) تتوزع من خلالها مياؤه لتستفيد منه أراضٍ زراعية على درجة عالية من الخصوبة، والمؤسف أن تلك العقوم لم تعد فعالة، وقبل أن يصل هذا الوادي إلى مدينة صبيا والمدن والقرى القريبة منها تتوزع المياه في ثلاثة أودية. وادي صبيا الشمالي، وهذا الوادي، على رغم أهميته لري مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، لم يعد له وجود وأصبح بكامله مخططات سكنية قائمة ومكتملة المرافق، وهنا يأتي السؤال فإذا ضمنا سلامة المنشآت القائمة في داخله من تعرضها للسيول، فمن المسؤول عن حرمان الأراضي الزراعية من الري من المياه، لتفقد خصوبتها وتتعرض للتصحر، والنتيجة خسارة أراضٍ ذات خصوبة عالية. وادي صبيا الجنوبي، هو أكبر الأودية الثلاثة، واتساع مجراه الطبيعي سابقاً عند مروره بمدينة صبيا يتراوح بين «300 - 500» متر وقد يزيد، وبعد التجاوزات، وإقامة المنشآت، وتعبيد الطرق حوله، ضاقت مساحة مجراه بحيث أصبحت لا تتجاوز ستة أمتار في بعض أجزائه، وزيادة في عدم الشعور بالخطر تم سفلتة مساحة في وسط مجراه كسوق قائمة الآن. وادي الظبية، وهو الفرع الثالث من وادي صبيا، وبعد استحداث الخط المتفرع من الدوّار القريب من جراج السيارات واتجاهه شرقاً، وانحرافه قبل نهايته ليقطع وادي صبيا الجنوبي، والاكتفاء بعبارات في هذا الخط، لا يمكنها استيعاب 10 في المئة من المياه المتدفقة في وادي صبيا الجنوبي، والنتيجة المؤكدة لهذا الخط هي الدفع بمعظم المياه التي يفترض أن تواصل تدفقها في وادي صبيا إلى وادي الظبية، قبل أن تستقر المياه في وادي الظبية ستكون العروج والمنشآت القائمة حالياً في داخلها وحولها قد واجه الأسوأ، أما مدينة الظبية وما حولها من المنشآت التجارية، وقبل ذلك الأراضي الزراعية فيكفي الشعور بالخطر المؤكد الكامن خلف المحدث الحالي مشروع العقم الخرسانة الجاري قيامه في وسط مجرى وادي صبيا، وقد عارضه مجموعة من المشايخ والأعيان وأصحاب الخبرة. ويؤكد خطورة هذا العقم على مدينة الظبية، وما جاورها من مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، اعتراض مدير الدفاع المدني بمنطقة جازان، وهذا يؤكد صحة اعتراض المعترضين على إقامة مشروع العقم الخرسانة، في بطن الوادي وللحد من أي أحداث غير مؤكدة جدواها ويرى فيها الآخرون الخطر... أرى المبادرة بتشكيل لجنتين، واحدة فنية، والأخرى من ذوى الخبرة ممن لهم معرفة بالسيول ومدى تأثيرها وانسيابها. وحتى لا نذهب إلى قول من يقول غير الحقيقة أن التعديات والإحداثات داخل وادى صبيا، وعلى جوانبه سابقاً ولاحقاً، لا يمكن اعتبارها تعديات، كونها خضعت للدراسة والإشراف أثناء التنفيذ من الجهات المعنية، كما أنها غير مؤثرة على مجارى السيول، فإذا سلمنا بهذا القول، فهل هناك دراسة يمكن أن تجيز قيام إنشاءات فى بطن الوادي، أو تجيز انحراف الوادي عن مجراه الطبيعي، أو تضييق مجراه لدرجة لا يمكن قبولها؟ وهل الجشع الذي جعل الناس يضعون أيديهم على أراضٍ فى بطن الوادي الذي لا يملكه أحد ليبنوا عليها منازلهم ومتاجرهم خضع للدراسة؟! أخيراً، آمل أن يدرك أن طرحي هذا يؤكد حقائق ماثلة على الأرض، فإذا كانت نتيجة قصور فلست أنا من يؤكد الجهة المقصرة، وكل ما أدعو إليه دراسة أي تجاوزات لها تأثير لاحق، ومعالجة لكل ما يحتاج إلى معالجة، قبل أن يأتي ما لا نتمناه. [email protected]