في قراءة متأنية لتركيب اللوائح الائتلافية وتسجيلها لدى وزارة الداخلية لخوض الانتخابات النيابية اللبنانية في 6 أيار (مايو) المقبل، تلفت مصادر سياسية مواكبة عملية تأليف اللوائح، إلى أن بعض التحالفات القائمة تجمع الأضداد في لوائح واحدة، ما يعني أن ما يهم المشرفين على تركيبها الحصول على مزيد من المقاعد النيابية بصرف النظر عن الخلاف السياسي بين هؤلاء. وتؤكد المصادر أن السمة الرئيسة في تركيب اللوائح الانتخابية تكمن في أنها تجمع تحت سقف واحد الكثير من الحسابات الرقمية والقليل من البرامج السياسية، وهذا ما يصح معه القول إن بعض اللوائح تفتقر إلى الدسم السياسي وتكاد تخلو منه. وتلفت إلى أن قانون الانتخاب الجديد الذي جاء على أنقاض «شيطنة» قانون 1960، دفع معظم الأطراف إلى التركيز على الحسابات الرقمية لتأمين الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي على السواء، على رغم أن المرشحين على لائحة واحدة يسعون لضمان الصوت التفضيلي لهم وحجبه عن الآخرين في اللائحة نفسها. وبكلام آخر، ووفق المصادر نفسها، فإن المرشح سيضطر إلى شهر خنجره ليطعن زميله، لمنعه من أن يتقدم عليه ب «الصوت التفضيلي»، خصوصاً إذا كانا ينتميان إلى المذهب نفسه. وتستغرب المصادر خريطة الطريق التي اتبعها معظم القوى السياسية الرئيسة لتركيب اللوائح الانتخابية، وتسأل في هذا السياق عن مصير «إعلان النيات» الذي وقعه العماد ميشال عون قبل أن ينتخب رئيساً للجمهورية وبالنيابة عن «التيار الوطني الحر»، مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في وقت أفضى تركيب اللوائح في الدوائر المشتركة إلى غياب أي شراكة بينهما في تركيبها. كما تسأل المصادر عينها عن مصير موقفَي «التيار الوطني» و «القوات» قبل انغماسهما في تركيب اللوائح، لجهة قولهما إن الاتفاق سيحصل في بعض الدوائر وإن المنافسة ستدور بينهما في دوائر أخرى. وترى أن تعذر التفاهم بين «التيار الوطني» وحزب «الكتائب» أمر طبيعي، بسبب التباين العميق القائم بينهما حول عدد من القضايا السياسية، لكنْ ما هو المانع الذي حال دون توافق «الكتائب» على الحد الأدنى من التفاهم الانتخابي مع الحزب «التقدمي الاشتراكي»، على رغم أن الأخير لم يضع عقبات تحول دونه، ما يلقي المسؤولية على عاتق رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل، الذي قرر أن يخوض الانتخابات بحملات شعبوية بالتعاون مع شخصيات من الحراك المدني. وفي السياق ذاته، تلفت إلى وجود تعاون بين «القوات» و «الكتائب» في ثلاث دوائر انتخابية: زحلة، بيروت الأولى، والشمال الثالثة (زغرتا، بشري، البترون، الكورة) فيما تعاون «القوات» وتيار «المستقبل» بات محصوراً في دائرتي «بعلبك الهرمل» وعكار، هذا إذا ما استثنيا الائتلاف الثلاثي في «الشوف- عاليه» الذي ضمهما في لائحة واحدة مع «التقدمي» الذي يعود إليه الفضل في الوصول إلى تفاهم بعد أن قرر «التيار الوطني» الخروج منه. وتكشف المصادر أن «التيار الوطني» لم يكن من ضمن الوسطاء الذين حاولوا إصلاح ذات البين بين الوزير طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب، وتؤكد أن مقياسه الوحيد لخوض الانتخابات في «الشوف - عاليه» يكمن في رهانه على حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية لمصلحة «التيار الوطني»، وهذا ما اعتمده لدى تركيب اللائحة الانتخابية في دائرة المتن الشمالي، إضافة إلى طلاقه مع حليفه في «ورقة التفاهم»، أي «حزب الله» في دائرتي «صيدا- جزين» و «جبيل- كسروان». وتقول إن كفة تفاهم «المستقبل» و «التيار الوطني» كانت أرجح من تفاهم الأخير مع حلفائه قبل أن يصيب الوهن قوى «14 آذار» وتتموضع الأطراف التي كانت وراء تأسيسها في مواقع متباينة تحول دون أن يعاد الاعتبار إلى دورها في الحياة السياسية. وفي سياق الحديث عن تركيب اللوائح، لا بد من الإشارة - كما تقول المصادر المواكبة- إلى أن رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل يتعامل مع التحالفات في الانتخابات، أكانت دائمة أم ظرفية، من زاوية الخدمة السياسية التي تقدمها له ليتزعم أكبر كتلة نيابية في البرلمان العتيد من شأنها أن تمهد له الطريق لبلوغ طموحاته الرئاسية. وتلفت إلى أن باسيل يخطط الآن لخوض «حرب إلغاء» على جبهتين، الأولى تتعلق بإضعاف مَن يمكن أن ينافسه رئاسياً، والمقصود بهما زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «القوات» سمير جعجع، والثانية تستهدف بعض من يضعهم على لائحة خصومه السياسيين لإخراجهم من المعادلة السياسية، ويأتي في طليعة هؤلاء نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر في المتن الشمالي، والنائب الكتائبي نديم الجميل في بيروت الأولى. وتنقل المصادر عن عدد من المرشحين الذين يتوزعون بين جبل لبنان والشمال وبيروت الأولى، أن باسيل يستثمر نفوذه داخل الدولة انتخابياً، وأن جهات محسوبة على «التيار الوطني» لم تتوان عن اتباع سياسة الترهيب والترغيب لعدد من رؤساء البلديات، وخصوصاً في المتن الشمالي، وهم بأكثريتهم على علاقة جيدة بالمر، والتلويح لهم بفتح ملفاتهم إذا لم يعيدوا النظر في «سلوكهم» الانتخابي لجهة فك ارتباطهم بالمر صاحب النفوذ الأكبر في هذه البلديات منذ حوالى ثلاثة عقود. وتؤكد أن «التيار الوطني» يخوض حالياً حرب إلغاء ضد المر لإنهاء الظاهرة التي يمثلها في المتن الشمالي، وتقول إن ضغوطاً مورست على بعض المرشحين لمنعهم من الانضمام إلى لائحته الانتخابية التي يفترض أن ترى النور اليوم مع تسجيلها لدى الداخلية. وتكشف أن رئيس الجمهورية كان يشجع عندما التقى المر، على ضرورة الوصول إلى تحالف يجمعه و «التيار الوطني» وحزب «الطاشناق»، وتقول إن لقاءات عدة عقدت بين المر ورئيس حزب «الطاشناق» هاغوب بقرادونيان وأمين سر «تكتل التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان، لكنها سرعان ما انتهت بضغط مباشر من باسيل الذي وضع الطاشناق أمام خيارين: حصر تحالفه معه أو فرط تحالفهما في بيروت الأولى وزحلة. وتؤكد أن مسؤولين في «التيار الوطني» تبرعوا بتقديم «هدايا» لبعض المرشحين في حال انسحابهم، وتحديداً في المتن الشمالي وكسروان، وانما ستعطى لهم فور انتهاء الانتخابات وهي تتوزع بين إسناد مناصب وزارية وأخرى إدارية في مواقع حساسة في الدولة. وتسأل ما إذا كان في مقدور باسيل أن ينجح في إلغاء المر متنياً بعد أن حاصره بمنع مرشحين من الانضمام إليه، أو في التخلص من نديم بشير الجميل، وتقول إن كلمة الفصل ستكون لما ستحمله صناديق الاقتراع من نتائج من دون غض الطرف عن استغلال نفوذه داخل السلطة على رغم أنه أقصى مسؤولين في «التيار الوطني» عن الترشح، خصوصاً من هم على تباين معه، ورأى أن الظروف مواتية الآن لتصفية حسابه معهم. وعليه، فإن أقل ما يقال في بعض التحالفات النيابية، ومن خلالها تشكيل اللوائح، إنها حملت أشكالاً وألواناً متعددة وخلت من أي دسم سياسي.