جسَّد الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى المصري للثقافة لإعلان أسماء الفائزين بجوائز الدولة في مصر صورة مصغرة لما يجري فيها بعد ثورة 25 يناير، إذ اختلطت الأصوات الداعية إلى التغيير بتلك التي تنتمي الى الماضي، ومن ثم لم يشعر الكثيرون بالإيجابيات التي أفرزها الاجتماع الذي بدأه وزير الثقافة عماد أبو غازي بدعوة الحضور إلى الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح شهداء الثورة. وعلى رغم ذلك خيمت على الأجواء السمات السلبية ذاتها التي وصمت جوائز الدولة في السنوات الأخيرة، في حين تمكن الإعلاميون للمرة الأولى من متابعة النقاش داخله، فضلاً عن متابعة عمليات التصويت التي أجريت كذلك في صندوق زجاجي، وهي إشارة أراد منها أبو غازي تأكيد «شفافية» إجراءات التصويت ونفي صفة «التواطؤ» عن أعضاء المجلس. وهي رسالة لم يتقبلها المناهضون للتشكيل الحالي للمجلس على أساس أن جهات الترشيح ما زالت تزكي - بحسب المنتقدين – أسماء غير جديرة بالترشيح أصلاً، فضلاً عن استمرار آليات التصويت القديمة والتي أكد أبو غازي أنها ستتغير ابتداء من العام المقبل ليحل محلها تصويت إلكتروني توفيراً للجهد والوقت والمال لا سيما أن اجتماع هذا العام استمر أكثر من ست ساعات متصلة. وأشار أبو غازي الى أنه يدرس تغيير قواعد التصويت ذاتها ليلجأ إلى «تصويت تخصصي» وليس إلى «التصويت العام». بينما يطالب مثقفون بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة ذاته وتغيير تركيبة الأعضاء واللجان. لكن ثمة مفاجآت إيجابية في نتائج التصويت أبرزها فوز أحمد أبو زيد، رائد الدراسات الأنثروبولوجية عربياً بجائزة النيل للعلوم الاجتماعية وقيمتها 400 ألف جنيه مصري (نحو 65 ألف دولار أميركي) وهي أرفع جائزة مصرية، وكانت تحمل من قبل اسم الرئيس المخلوع حسني مبارك. واللافت أن فوز أبو زيد الموجود على لائحة المتنافسين منذ أربع سنوات جاء على حساب ليلى تكلا التي تأثرت فرصة فوزها بالبلاغ الذي قدمه أخيراً المترجم بشير السباعي بحقها أمام النائب العام للتحقيق في واقعة تلقيها رشوة مالية من شركة أميركية تتاجر في الأسلحة، وهي تهمة أوردها الكاتب البريطاني تيموني ميتشل في كتابه «حكم الخبراء» الذي صدرت ترجمة عربية له عن المركز القومي المصري للترجمة. وربما بسبب هذا البلاغ صفق الإعلاميون الذين تابعوا التصويت بشدة عند الإعلان عن فوز أبو زيد بالجائزة، معتبرين حصوله عليها «عملاً ثورياً»، كما اعتبروا عجز الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عن حسم السباق مع الكاتب الساخر أحمد رجب الذي نال جائزة النيل للآداب كذلك انتصاراً للثورة. فعلى صفحات «فايسبوك» نال حجازي الكثير من عبارات السخرية من الشعراء المناهضين لسلطته في الجماعة الثقافية، وطالب بعضهم بإقصائه عن المشهد مثلما تسعى النخب السياسية لإقصاء فلول النظام القديم. وكذلك كانت الحال مع الناقد صلاح فضل الذي خرج من الجولة الثانية في التصويت على الجائزة التي نالها في الفنون المعماري علي رأفت. ومن ناحية أخرى ظلت الأسماء المرشحة للجوائز التقديرية والتفوق محل نقد لاذع داخل قاعة الاجتماع وخارجها. ففي الداخل أكد الروائي بهاء طاهر أن الكثيرين ممن فازوا أو ترشحوا يلحون على أعضاء المجلس ويتسولون أصواتهم هاتفياً. وهي الملاحظة ذاتها التي لفت إليها الفقيه القانوني نور فرحات داعياً زملاءه من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة إلى اتباع قيم الثورة ممثلة في «المساواة والعدالة» خلال عملية التصويت. وأعلن الروائي خيري شلبي صراحة شعوره بالعار لمشاركته في اجتماع ينتهي الى فوز أسماء معظمها «متخلف عقلياً» بحسب وصفه، وهي إشارة قاسية تعكس الفقر الذي عانته قوائم الترشيح التي انتهت الى فوز الكاتب فؤاد قنديل والأكاديمي الباحث في الأدب الشعبي أحمد شمس الحجاجي بالجائزة (200 ألف جنيه مصري) الى جوار الكاتب عبد الوهاب الأسواني الذي نال الجائزة واستطاع وحده أن يحسم الفرصة من أول جولة تصويتية ما أكد جدارته واستحقاقه كروائي تم تهميشه من بين الأصوات الرائدة في جيل الستينات. ونال جوائز العلوم الاجتماعية عن جدارة المؤرخ أحمد زكريا الشلق المتخصص في تاريخ الفكر المصري، كما أعلن عن فوز مسعد عويس نقيب المهن الرياضية، ومحمد صبري الشرنوبي أستاذ الجغرافيا بالجائزة نفسها وأعلن عن حجب الجائزة الرابعة في الفرع نفسه. وفازت سلوى الغريب، ألامين العام للمجلس الأعلى للجامعات، والفنان محمد هناء عبد الفتاح، الممثل والأستاذ في أكاديمية الفنون بتقديرية الفنون، وحجبت الجائزة الثالثة في الفرع نفسه. وتعطي مسألة الحجب دلالة عن غياب الأسماء ذات المنجز الحاسم على الصعيد الإعلامي على الأقل. على صعيد آخر خلت جائزة التفوق (100 ألف جنيه مصري) في فروعها كافة من مفاجآت إذ ذهبت في فرع الآداب لاسم الكاتب الراحل إدريس علي، في حين لم يتمكن الروائي محمد ناجي والشاعر حسن طلب من الحصول على نصاب يُمكّنهما من الفوز، وفاز بالجائزة أبو اليسر فرج ويمنى الخولي ومحمد سكران، في فرع العلوم الاجتماعية. وفي الفنون نالها المخرج المسرحي فهمي الخولي بينما حجبت الجائزة الثانية في الفرع نفسه. وكالعادة من المتوقع أن ينحصر النقاش في الأوساط الشابة في شأن الجوائز التشجيعية، إذ يقدم المجلس سنوياً 32 جائزة قيمة كل واحدة منها 50 ألف جنيه مصري (8 آلاف دولار) وقد مست رياح التغيير بعض هذه الجوائز، إذ كان من بين الفائزين بها الباحث عبد الخالق فاروق وهو معارض بارز في حركة «كفاية»، على رغم أن رئيس لجنة تحكيم الإنتاج كان قيادياً بارزاً في الحزب الوطني المنحل وهو علي الدين هلال. لكن هذا لا يعني أن الصورة كانت «ثورية تماماً»، إذ ظلت لجنة الشعر التي يرأسها أحمد عبد المعطي حجازي على حالها وانحازت إلى الشعر العمودي ومنحت جائزتها للشاعر أحمد إبراهيم عن ديوان عنوانه «بينما نصنع الصور». وبدت اللجنة أقل ثورية من لجنة الرواية التي منحت جائزتها لرواية متميزة هي «أيام النوافذ الزرقاء» لعادل عصمت واختارتها من بين 38 عملاً. ومنحت جائزة القصة لعزة رشاد عن مجموعتها «نصف ضوء» من بين 62 كتاباً مرشحاً لنيل الجائزة وهو رقم دال على عودة القصة القصيرة الى بؤرة الضوء بعد سنوات من صعود «زمن الرواية». غير أن الملاحظة الجديرة بالانتباه تتعلق باستمرار ظاهرة الحجب، إذ بلغ عدد الجوائز التي تم حجبها 16 جائزة غالبيتها في جوائز العلوم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية. وهناك ملاحظة أهم ترتبط بارتفاع أعمار الحاصلين على الجوائز لا سيما في مجالي الفنون (المصور سعيد شيمي) والثقافة العلمية التي منحت لأحمد شوقي وكلاهما تخطى عامه الستين، الأمر الذي ينفي عن الجائزة صفة التشجيع. وعلى خلاف إجراءات التصويت التي طغت على أجواء الاجتماع انشغل الحضور كذلك بالنقاش جزئياً حول مستقبل المجلس الأعلى للثقافة بعد الثورة. ففي حين انتقد بهاء طاهر غياب المثقفين عن ثورة 25 يناير وعدم مشاركتهم في تحولاتها بجدية لحماية مكتسبات الثورة فهو طرح سؤالاً مهما حول طبيعة العائق في التواصل بين المثقفين والمجتمع. ورد وزير الثقافة على السؤال بالإعلان عن اجتماع آخر يعقده المجلس في غضون أيام لمناقشة الأوضاع السياسية والثقافية الراهنة ومناقشة إعادة هيكلة القطاعات الثقافية في مصر، وهو مطلب بات على رأس أولويات المثقفين المصريين.