في حديث مع صديقي المتخصص في الإعلام، والعائد للتو من الولاياتالمتحدة الأميركية، ذكر بأن محطات التلفزة الأميركية - وبشكل يومي- تتابع تفاصيل الفضيحة الأخلاقية لنائب مدينة نيويورك «انتوني وارنر»، إذ قام بإرسال مجموعة من صوره الفاضحة لمجموعة من الشقراوات اللائي يشاركنه الإقامة في فضاء شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»، ونسي وارنر أو تناسى أنه الموظف الرسمي، الذي يُلزمه القانون بواجبات ويكفل له حقوقاً. يبدو أن إحدى هؤلاء السيدات لم تعجبها هيئة الرجل المغزلجي! فقامت بنشر صوره على الملأ، ومن هنا بدأت الحكاية المؤلمة لأنتوني وارنر، الذي طفق يجمع الصحافيين من كل حدب وصوب، ويعقد مؤتمراً صحافياً ليعلن أن حسابه في «تويتر» تعرض لاجتياح غاشم من «الهكرز»، وأنه لن يستسلم لهذه القرصنة المعلوماتية، ولكن حزبه الديموقراطي كان مستيقظاً لمثل هذه الألاعيب، فمارس ضغوطه على وارنر، وتدخل أبو حسين باراك أوباما على الخط قائلاً: «لو كنت مكان وارنر لاستقلت»، ففهم انتوني وارنر الإشارة وغادر في حالاته! وفي خضم هذا السرد المثير من صديقي، كانت الأسئلة تتقافز في ذاكرتي، هل ضغوطات الحزب مَنْ أسقط العضو، أم أسقطه الإعلام، أم هو اختار أخف الأضرار وأسقط نفسه لينجو بها؟ أعتقد جازماً أن كشف الفساد وفضح المفسدين مهمة نبيلة لا يقدر عليها ولا يتحملها سوى الإعلام الحر والنبيل، لذلك لم يستطع وارنر أن يتمترس بمنصبه كنائب لمدينة نيويورك، ولم يكن في منأى عن سهام الإعلاميين، وهو الجالس على كرسي السلطة، بل حتى الفرنسيين لم يستوعبوا حرية الإعلام الأميركي، وهم يلوكون مفردة مؤامرة في وصفهم لما حدث لمدير صندوق النقد الدولي الفرنسي دومنيك ستراوس، الذي أُعتقل وهو على وشك مغادرة مطار نيويورك بتهمة محاولته الاعتداء والاغتصاب الجنسي لعاملة تعمل في فندق كان يسكنه، فاستمر الإعلام الأميركي بمتابعة تفاصيل القضية داخل المحكمة وخارجها، وظهر للمشاهدين وهو يُقتاد بطريقة مهينة، والأغلال في يديه، وحالته النفسية تقترب من الانهيار، تلك الصور أفزعت الأوروبيين على وجه العموم، والفرنسيين خصوصاً، فالقانون الفرنسي يُحرم الكشف عن صور المتهمين في وسائل الإعلام قبل صدور الحكم، وكذلك تحظر بعض الولايات الأميركية وجود كاميرات البث المباشر لجلسات المحاكم، في الوقت الذي تسمح بعض الولايات بذلك، كما حدث في قضية محاكمة لاعب كرة القدم الأميركي أوجيه سمبسون، الذي أُتهم بقتل زوجته السابقة وعشيقها وتابع الملايين تلك المحاكمة. وأقول لمن يؤمنون بنظرية المؤامرة أن «دومنيك ستراوس»، و«انتوني وارنر»، هما من اليهود والسياسيين النافذين، وعلى رغم ذلك لم يرحمهم الإعلام، فالمتوجسون من المؤامرة دائماً يعتقدون أن الإعلام الأميركي يمتلكه اليهود ويسيطرون عليه، والحقيقة أن الإعلام الأميركي يحركه الاقتصاد وتنظمه قوانين واضحة للجميع. في خضم هذه الأدوار المعقدة للإعلام يفاجئني تساؤل مقلق عن واقع الإعلام العربي، وهل يستطيع أن يقوم بدور المراقب والكاشف للفساد الأخلاقي والمالي والسياسي؟ إلا إذا كنا كمجتمع عربي نمثل النزاهة والأمانة في هذا الكوكب، فذلك شأن آخر. إن عدم بروز قضايا الفساد في تغطيات الإعلام العربي لا يعني عدم وجود الفساد، ولكن ثقافة الصمت والستر جزء من مكوناتنا الثقافية، وتقاليدنا الاجتماعية، ويدخل ضمن هذه الاعتبارات طبيعة ملكية وسائل الإعلام التقليدية، فهي إما أن تكون مملوكة للدولة، أو مملوكة لأشخاص لهم مصالح يسعون للمحافظة عليها. فعلى رغم إيمان البعض بصدقية الإعلام التقليدي، التي تنبع من معرفتهم بملاك هذه الوسائل الإعلامية، إلا أنني شخصياً لا أستبعد في القريب العاجل أن يرفع المتضررون من الفساد شعار «الإعلام الجديد هو الحل»، وذلك بسبب تقاعس الإعلام التقليدي، ما جعل روح المبادرة سمة يتميز بها الإعلام الجديد، فكلنا يتذكر إقالة أحد السفراء بعدما صُور بكاميرا جوال محمول ونُشرت على «اليوتيوب»، فتشكل رأي عام ضده كموظف لم يُوفق في تعاطيه مع أزمة تمر بها إحدى المواطنات في الخارج. إنه الإعلام الجديد الذي سينتصر بالحق على كل من ناصر الفساد، وسيكون سلطة رابعة تؤكدها شهادات أقسام وكليات الإعلام... فهل من مذكر؟! [email protected]