كان على الإعلام السوري الخروج من المطب الصعب الذي وضعته فيه الأجهزة الأمنية التي أظهرته بالشكل الساذج المفرز لمواد إعلامية لا ترقى لمستوى أفلام الكرتون المتوسطة الإخراج، فالمتتبع لوسائل الإعلام ومحطات البث التلفزيوني يجد أن السيل المتدفق من مواد الدفاع الإعلامية عن النظام هي الحلقات المكملة للمسلسل الهزيل في الماضي القريب في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، حين كانت تجري أحداث «التأديب» الأول للشعب، وتم قتل عشرات الألوف واعتقال مثلهم ببساطة تحت مسمى كشف مؤامرة من المتطرفين والإرهابيين. حينها كانت تقوم الدعاية الإعلامية على عرض اعترافات لما يُسمى «مجرمين وإرهابيين من العصابات المسلحة»، مع تدعيم الاعترافات بصور معظمها مأخوذة من أحداث عالمية بعيدة من سورية وتحت آلية «قص ولصق»، وكانت تكمل الخبر أو الرسالة بعرض متوالٍ لمسيرات التأييد ل «القائد الأبدي»، إضافة إلى تحليلات «لمفكرين» في المؤامرة على سورية وعلى «مقاومتها»، والجميع كان يدرك مدى الكوميدية السوداء التي كانت تمارسها هذه الوسائل كما يجري الآن. إذاً وعلى رغم تطور وسائل الاتصال والإعلام في العالم، وأمام صعوبة إخفاء الأحداث الحقيقية ومسبباتها الواضحة بتدفق المعلومات المباشرة من الميادين السورية، لا يزال الإعلام السوري يقوم بممارسة إدارة الصراع الإعلامي مع الشعب، وليس مع الأحداث، وتنتقل من أداة معبرة عن الشعب لتصبح أداة معبرة عن خوف «عائلة» النظام من الشعب، ولتسقط مرة أخرى رهينة للماكينة الأمنية في سورية، وتنزع عن نفسها بالتالي صفة الإعلام لتتحول كياناتها إلى غرف عمليات للمونتاج والقص واللصق لإنتاج الأفلام المحروقة. وأمام تنوع وسائل الإعلام ما بين حكومية وخاصة، وبجميع أنواعها المرئي والمسموع والمقروء، نجد أن النظام السوري كان حريصاً على احتوائها بجميع صنوفها وشخوصها، وعمل على بتر أي محاولة لتطويرها، أو تحييدها وتطويرها علمياً، إذ يتم التعيين والموافقة من الأجهزة الأمنية الاستخبارية، وقام بفصل الكثير من الإعلاميين السوريين لمجرد محاولة العمل بمهنية وحيادية، ليفرض سيطرة حديدية كاملة على هذه الوسائل. لم تستطع هذه الوسائل الإعلامية أن تنتهج على الأقل المسار العلمي في مواكبة الأحداث، حين افترضت الغباء العام وتعاملت مع مستهلكي نتاج هذه الوسائل كأسفنج ماص لأية معطيات تطرحها، وبالتالي تملأ التساؤلات والاستهجان الكبير الشعبي والعالمي بالمواد المشكوك فيها، وبدلاً من أن تهتم بمنطق الأحداث والثورة في سورية انتهجت الآلة الإعلامية إلى تخوين أطرافها وسحب «سوريتها» أيضاً والمهاجمة المباشرة لأي مطالب بالحرية، بحجج أن كل شيء تم النطق فيه رسمياً، وكأن الشعب كان يريد سماع الشعارات فقط من دون الممارسة الفعلية. وحين يفقد النظام في سورية حسن النيات، ولا يستطيع فهم قواعد اللعبة في الوقت نفسه، يكون قد أكمل انزلاقه إلى العزلة العالمية والعربية، وليفقد النظام بالتالي آخر خطوطه الأخلاقية باستهلاكه للإعلام السوري كوسيلة دفاع عن (العائلة)، ووسيلة هجوم على خصومها من دون أي اعتبار لمطالب الشعب واحترامها، أو احترام لعقولها، وأصبح واضحاً أن المخرجات الإعلامية السورية تعني عكسها، على رغم ما يحاول فرضه الإعلام على المتلقين باستخدامه لجميع وسائل الإنتاج الهوليودية وجميع المصطلحات «المقاومية»، فالشمس لا يمكن أن تُغطى بغربال، ولكن حامل الغربال بالتأكيد ستحرقه الشمس إذا أصر على تغطيتها. mailto:[email protected]