تتسابق محطات التلفزيون اللبنانية في شكل خاص، والعربية في شكل عام، الى الحديث في هذه الأيام عن الكاتب اللبناني، في اللغة الفرنسية أمين معلوف. والمناسبة كما نعرف هي اختياره عضواً في واحدة من أكبر وأعرق المؤسسات الثقافية في فرنسا وربما في العالم أجمع: الأكاديمية الفرنسية التي تلقّب بمجمع الخالدين، بالنظر الى أن أعضاءها ينتخبون لمدى الحياة، وما أن يرحل أحدهم حتى تبدأ المداولات والانتخابات لاختيار خلف له. وعادة ما يتعيّن على الخلف أن يكون على المستوى الفكري والقيمي ل«الخالد» الذي يحل مكانه. ومن هنا يشعر المرء بزهو كبير إذ يحلّ معلوف محل الراحل كلود - ليفي ستراوس. غير أن هذا البعد ليس موضوعنا هنا. ما يهمنا، وبالترابط مع الإشارة التي افتتحنا بها هذا الكلام هو حديث التلفزيونات عن الموضوع وإشادة بعضها بمعلوف بوصفه مبدعا كبيرا من «عندنا»، فرض حضوره « عندهم». وفحوى ما نريد قوله هو أن المحطات التلفزيونية التي تبدو اليوم فخورة بأمين معلوف، هي نفسها التي – حين تنتج مسلسلات تلفزيونية – وتشكو بين الحين والآخر من الضحالة المطلقة في النصوص والسيناريوات التي «تتحف» بها متفرجيها -، لا يبدو عليها أنها سمعت أصلا بأن في لبنان أدباً كبيراً ونصوصاً رائعة تحمل في اللغة الفرنسية توقيع أمين معلوف كما تواقيع غيره من كتّاب صار لهم حضور عالمي كبير مثل الكسندر نجار ووجدي معوض وفي العربية هدى بركات وربيع جابر ورشيد الضعيف وحنان الشيخ ونجوى بركات. ويمكن لهذه اللائحة أن تطول أكثر وأكثر. ولكي نبقى هنا عند أمين معلوف طالما أن المناسبة تفرض الحديث عنه، سنذّكر مسؤولي التلفزة ببعض عناوين أعماله التي تحمل في الأصل في سياقها وأجوائها وفي رسم شخصياتها أبعاداً أقلّ ما يمكن أن يقال عنها إنها بصرية. بل إن في الإمكان لمن يتفحصّها بدقة، أن يكتشف أن السرد نفسه فيها، سرد يكاد أن يكون سينمائياً وتلفزيونياً، ينطبق هذا على «صخرة طانيوس» و«سمرقند» و «ليون الأفريقي» وهي أعمال حتى وإن كان بعدها البصري سينمائياً، فإن اتساعها الزمني يصلح لمسلسلات تلفزيونية أكثر بكثير مما يصلح ليتحول أفلاماً سينمائية محدودة في ساعتين كما جرى العرف. إذاً بدلاً من الشكوى الدائمة إزاء انهيار الدراما اللبنانية – وحتى إزاء ما بات يعتري الدراما العربية في شكل عام من رتابة وتكرار مملين في المواضيع والأفكار- ها هو أدب أمين معلوف – المكتوب أصلاً بقلم هاوي سينما وصورة كبير – موجود حاضر. ولسنا نخال أن صاحبه الذي لا يتوقف في كل لحظة عن التعبير عن لبنانيته وعروبته الى درجة أن رواياته تترجم الى العربية وتباع نسخها بالألوف من دون أن تشغله مسألة حقوقه المادية، سيقف حجر عثرة إن لمس محاولات إبداعية حقيقية لتحويل أعماله الى صور تتحرك.