يتذكر كثر من المتفرجين اللبنانيين، زمناً كانت فيه للمسلسلات التلفزيونية المصنوعة في لبنان، أو انطلاقاً منه، مكانة كبيرة على الخريطة التلفزيونية العربية في شكل عام. وكثر من هؤلاء المتفرجين يشعرون بنوع من الحنين الدائم الى الدراما التلفزيونية على الطريقة اللبنانية. صحيح ان ثمة إنتاجاً تلفزيونياً لبنانياً، يظهر في كل عام، ويقول البعض انه ازداد عدداً خلال الموسم الفائت، ولكن من المؤكد ان هذا الإنتاج لم يئد ذلك الحنين. ومن المرجح ان ما يحقق من إنتاج في هذا المجال، خلال السنوات الأخيرة، لا يعدو كونه من نوع «رفع العتب»، حيث لا يبقى منه في ذاكرة المتفرجين، إن شاهدوه، شيئاً. وطبعاً لن نغوص هنا في عملية نقد شاملة، أو جزئية حتى... كل ما يمكننا ان نقوله هنا هو ان هذا الإنتاج يشبه بعضه بعضاً، المواضيع نفسها، «الإخراج»، نفسه الحوارات نفسها. وكأنها أعمال وُجدت اصلاً كيلا يراها أحد. ومع هذا، لو عدنا في الزمن الى الوراء، لطالعتنا اعمال ناجحة، لعل أنجحها، تلك التي أتت على علاقة بالأدب... حيث يمكننا هنا ان نذكر - بالخير - أعمالاً محددة، مثل «الرغيف» عن توفيق يوسف عواد، أو «تمارا» عن خليل تقي الدين، ناهيك طبعاً بالعمل الرائع «حول غرفتي» الذي كتبه الراحل وجيه رضوان وأخرجه انطوان ريمي من بطولة هند ابي اللمع، هذه المبدعة التي يبدو انها نُسيت قبل أوانها. ان الأدب والنهل منه، هو القاسم المشترك بين هذه الأعمال. ومن هنا يطرح سؤال اساسي لا بد منه في هذا الزمن الذي تعرف فيه الحياة الأدبية اللبنانية فورة صدور روايات وقصص قصيرة، فرضت حضورها في طول العالم العربي وعرضه، وترجم كثير منها الى الفرنسية وغيرها ليثبت دعامات نهضة حكائية حقيقية. فلماذا، بدلاً من كتابة كل تلك المسلسلات، التي تغلب عليها السذاجة اليوم، لماذا لا يلتفت اهل التلفزيون - ولا نتحدث هنا عن اهل السينما طبعاً - ليمولوا كل هذا الأدب المميز، أدب ربيع جابر وهدى بركات وحسن داود ورشيد الضعيف وجبور الدويهي ونجوى بركات ومحمد ابو سمرا وغيرهم، الى مسلسلات تلفزيونية؟ ما الذي يمنع وجود انفتاح خلاق لمبدعي الشاشة الصغيرة - وأفضل من هذا، لمبدعي شاشة كبيرة قد يليق بالتلفزيون استقطابهم في هذا المجال - على كل هذا المتن الروائي والقصصي اللبناني؟ ترى، هل كثير ان نطلب من وزارة الثقافة - ومعها وزارة الإعلام، ومعهما إدارات المحطات التلفزيونية، ولبنان يعيش زخم «بيروت عاصمة الكتاب» ان يسعى الجميع في محاولة لجمع اموال تساهم في إنتاج بعض الأعمال من هذا النوع... في الجمع بين جمهور تلفزيوني متفتح، ومبدعين روائيين وقصصيين يزداد إنتاجهم قوة وازدهاراً، وفنانين من شتى الأنواع، في إحداث نهضة في «الدراما التلفزيونية» تسير على هذه الخطوات، وتعيد الى لبنان ألقاً وازدهاراً كانا له في الماضي القريب؟