يبدو أن شهر العسل بين تركيا وإيران شارف على الانتهاء، بعد فترة من التفاهم والانسجام والدعم التركي السياسي لإيران، وتطور التبادل التجاري بين البلدين ليتخطى حاجز المليارات، واستغلالهما للظروف الإقليمية والدولية في تنمية مصالحهما الفردية والمشتركة مع الدول الأخرى، وكذلك تعزيز مواقعهما التفاوضية أمام خصومهما، أي كانت نوع الخصومة، ولكن في الفترة الأخيرة، لاحظ العديد من المراقبين بداية التباعد في المصالح والعلاقات بين الجهتين وظهور التباين بينهما بشكل واضح جداً، خصوصاً في فترة الستة شهور الأخيرة. لذلك بنظرة تحليلية فاحصة لعدد من المؤشرات، يتبين للمراقبين أن هناك اختلاف بين التوجهات التركية والإيرانية بشكل واضح، وهذه الاختلافات التي تحتم التباعد هي: إن هناك فرقاً بين البلدين في عدد من العوامل، فتركيا دولة عضو رئيس ومهم في حلف الناتو منذ تأسيسه، ساهمت في بنائه، وله قواعد عسكرية فيها، وتساهم في قواته المنتشرة في أفغانستان، وتنفذ سياسات الحلف الإقليمية والدولية، وكذلك تطمح لعضوية الاتحاد الأوروبي، لتكون أحد أقطابه الرئيسة، على رغم معارضة فرنسا بقوة، وغيرها من الدول الأوروبية التي تخشى على هويتها الثقافية من انضمام تركيا المسلمة، بسبب عدد سكانها وديانتها، وكذلك ما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وعلى المستويات كافة، خصوصاً ما يتعلق منها بالجانب العسكري، علىرغم كل الأزمات والنكسات التي أصابت العلاقة بين البلدين، لما تعرض له أفراد أسطول الحرية من قتل واحتجاز، بسبب حصار غزة، وأدى إلى توتر وفتور في العلاقات الدبلوماسية لفترة بين الطرفين. أما ما يتعلق بإيران، فتوجهها يختلف تماماً عن التوجه التركي، فهي دولة تعتبر نفسها في مواجهة مع عالم الاستكبار العالمي، وحامية للمستضعفين في العالم، تسعى لامتلاك القوة العسكرية، والاقتصادية، ولذلك خصبت اليورانيوم وعاندت في ملفها النووي، ودعمت كل الحركات في المنطقة المناهضة للتوجهات الغربية كحزب الله وحماس، وطورت علاقاتها مع دول إقليمية إلى درجة التحالف كسورية وفنزويلا، وتبنت خطاباً ثورياً موروث من أيام بداية الثورة الخمينيه، هدفه الرئيس مواجهة الغرب وإبعاده عن المنطقة، وكذلك نشر مبادئ معينة مبنية على الطائفية. التقت مصالح البلدين وأهدافهما لتحقيق طموحهما وتحقيق ما يسعيان له باستغلالهما لعلاقاتهما المتبادلة أمام الآخرين، فتركيا سعت من وراء تطوير علاقاتها مع إيران وعدد من دول الشرق الأوسط وغيرها من الدول، لتوجيه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي، من أجل تخفيف معارضته لانضمامها له، وكذلك طلبت مساعدة الولاياتالمتحدة للضغط على الأوروبيين. أما إيران فسعت من علاقاتها مع تركيا، لتخفيف وطأة العقوبات والضغوط الغربية بسبب ملفها النووي، وسياساتها في المنطقة، مما يجعل المراقبون يجزمون باستخدام الدولتين ورقة الدولة الأخرى لتحقيق أهدافها التي تسعى لها لدى الدول الأخرى، مما يجعل هذا التحالف أو التفاهم هو مرحلي وليس استراتيجي. الاختلاف في المصالح والرؤى بين الطرفين بدأ يتضح بشكل جلي، خصوصاً مع اندلاع ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي، حيث بدأت تركيا تتصرف كدولة قوية لها تأثير في القرارات الدولية وفي المنطقة، ولكن مع تغير في الاتجاه، حيث كانت في بداية الأزمة الليبية، مترددة في دعم الثوار، ثم ما لبثت أن خضعت للضغوط الغربية وغيرت رأيها، على عكس الموقف من الثورة المصرية، التي دعمتها منذ البداية، مما جعل المراقبين يفسرون ذلك على أنه استغلال الفرصة لسحب البساط من تحت مصر كقائدة للعرب بحجمها السياسي والسكاني وموقعها المتميز، وباحثة لها عن دور مؤثر وقوي يحل محل الدور المصري، وكذلك تصريحاتها حول أحداث سورية. أما الموقف الإيراني، فهو يحاول استغلال الأحداث في الوطن العربي، ما عدا الأحداث في سورية، إلى صالحه وتشجيعها، وتصويرها على أنها انعكاس للثورة الإسلامية في إيران، وهذا غير صحيح، خصوصاً بعد الغزل السياسي بينها وبين مصر، مع محدودية القدرة على التدخل السياسي المباشر. برز عدد من المؤشرات على أن شهر العسل بين تركيا وإيران انتهى من خلال عدة أفعال قامت بها تركيا، أولها كان اعتراض عدة طائرات إيرانية مدنية في الأجواء التركية وتفتيشها ومصادرة الحمولة غير المفصح عنها، بناء على قرار أممي بالتحقق من تطبيق قرارات الحظر على إيران، التي هدفت إلى ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول إرسال رسالة للغرب بأنه من دون تركيا لن تستطيعوا تطبيق أي قرار أممي ضد تركيا، والثاني لإيران بأن تركيا تستطيع أن تعطل المصالح الإيرانية بشكل كبير، خصوصاً بينها وبين مصالحها في لبنان وسورية. والمؤشر الآخر هو التحرك التركي بشكل قوي تجاه سورية ولبنان، بشكل يهدد المصالح الإيرانية بشكل مباشر، وبغطاء إقليمي ودولي إن لزم الأمر. وفي المقابل أظهرت إيران عدة مؤشرات تؤكد أن التنافس على المنطقة قد بدأ بقوة، ومنها إرسال قطعتين بحريتين إلى ميناء اللاذقية السوري، وكذلك غواصتين إلى البحر الأحمر في محاولة لإثبات أنها قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، إضافة إلى التصريحات السياسية تجاه المنطقة، التي تتعارض مع التصريحات التركية تماماً، خصوصاً ما يتعلق بأحداث سورية. عزز فوز حزب الرفاه التركي فرصة تركيا، للقيام بدور سياسي مؤثر جداً في المنطقة، فيما يحتدم الصراع في إيران بين المحافظين في مجلس الشورى والرئيس أحمدي نجاد على عدد من المسائل، ولذلك سنرى تقدماً سياسياً لتركياً في المنطقة مدعوماً من الغرب، يمكن أن يمكنها من لعب دور كبير في الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً في ظل غياب عربي شبه كامل. والسؤال المطروح هو: هل سنرى صداماً بين النموذج التركي والنموذج الإيراني في المنطقة العربية؟ أم أن العرب سيظهرون نموذجهم ويبعدون شبح التدخلات الخارجية؟ * أكاديمي سعودي.