في سياق الحرب على البكتيريا، تلعب صناعة الأدوية دوراً فائق الأهمية، خصوصاً عند تذكّر أن صنع تلك الأدوية يتطلب أثماناً باهظة ومستويات متقدمة علمياً. وأحياناً، يؤول الأمر إلى صنع أدوية فعالة في مجال كمضادات الحيوية، لكنها لا تكون في متناول الجميع. ويمر وقت قبل أن ينخفض ثمنها، ولكن حينها تكون البكتيريا بدأت في مقاومتها، ما يجعلها غير فعالة! ويعرف العاملون في قطاع التكنولوجيا البيولوجية أنّ الهند شقت طريقها بعناء ودراية، كي تنشئ مؤسّسة مزدهرة لتطوير عقاقير جديدة. ويعتمد نجاح «بلاد المهاتما غاندي» في صناعة «الأدوية المُكافئة» (تسمّى أيضاً «جنريك» Generic، أو «نوعيّة» بمعنى أنها تعتمد على نوع الدواء وليس اسمه التجاري) على مجموعة مختلفة من المهارات العلميّة. تشمل تلك المهارات التمرّس في الهندسة العكسيّة لمستحضرات دوائيّة، جرى ابتكارها في أماكن أخرى. وتتضمن تلك الهندسة تفكيك تركيبة الدواء للتوصّل إلى المُكوّن الفعّال فيه، ثم إعادة تصنيعها بطرق أقل تكلفة. في ذلك الصدد، يوضح بالو ريدانا، وهو من المختصّين في التكنولوجيا الحيوية في جامعة «حيدر آباد»، أن التحدي الذي يواجه قطاع صناعة الأدوية «يتمثّل في الانتقال من الهندسة العكسيّة إلى اكتشاف أدوية جديدة. وينبغي علينا تحفيز وتشجيع التعاون الأكاديمي الصناعي». وتحاول الحكومة والقطاع الخاص إطلاق جهود في ذلك الاتّجاه، من طريق إنشاء حاضنات تساعد على نقل المعرفة من الجامعة والمختبر إلى الصناعة، وتأمين البنية التحتيّة والدعم المالي للمشروعات المبتدئة. وتعتبر تلك الحاضنات «أعظم تغيير في قطاع اكتشاف الأدوية في الهند»، وفق تعبير بى يوجسيسواري، واختصاصي في الكيمياء في «معهد بيرلا للعلوم والتكنولوجيا». وسواء تعلّق الأمر بالبيولوجيا الحيويّة أو ارتياد الفضاء، تعتمد النهضة العلميّة في الهند على صفوة من مراكز البحوث. إذ تتفاوت جامعات الهند السبعمئة تفاوتاً كبيراً في مستوياتها العلميّة والأكاديميّة. ولتحديد المؤسسات العلميّة الرائدة في «بلاد المهاتما غاندي»، أجرت مجلة «نايتشر» بحثاً في قاعدة البيانات الخاصة بموقع «إلسفيير سكوبس» Scopus Elsevier عن معدل اقتباس بحوث معاهد وجامعات أنتج كل منها ما يزيد على 2000 ورقة بحثية بين عامي 2010 و 2014. وبناء على ذلك البحث، قدّمت المجلة المؤسّسات العلميّة التالية بصفتها صفوة مراكز العلم في الهند: 1- المعهد الهندي للتكنولوجيا (جواهاتى): ثمة 16 معهداً على الصعيد الوطني، لا يقبل فيها إلا صفوة الطلاب، إذ تلامس معدلات القبول قرابة 2 في المئة ممن يتقدّمون إليها، مع ملاحظة أن النسبة نفسها تصل إلى قرابة 6 في المئة لدى «جامعة هارفرد» الأميركيّة! 2- مجلس البحوث العلمية والصناعية Council of Scientific & Industrial Research (في نيودلهي): قدّم المجلس براءات اختراع عالميّة بما يفوق المعاهد والشركات الهنديّة الأخرى قاطبة، بل يتباهى بمختبراته الوطنيّة التي يبلغ عددها 38 مختبراً، وتضم 4600 عالِم يعملون في أرجاء البلاد كلها. 3- الجمعية الهنديّة لتنمية العلوم (في كالكتا): تعتبر أقدم جهات البحوث في الهند، وتأسّست في العام 1876، ثم اكتشف العالِم الهندي سير تشاندراسِكاهارا فينكاتا رامان (1888-1970)، ظاهرة تشتت الضوء Light Scattering في العام 1930، التي حملت اسمه بعد ذلك، كما نال عنها جائزة نوبل. 4- جامعة بنجاب (في شانديجار): تعتبر أعلى مستوى في جامعات البلاد، بل حلّت في المرتبة الأولى في العام الماضي في تصنيف مجلة «تايمز» لجامعات العالم للتعليم العالي. ويجري اقتباس بحوثها بمعدل يساوى 1.4 ضعف المتوسط العالمي. 5- معهد «تاتا» للبحوث الأساسيّة (في مومباي): متخصص في الفيزياء والرياضيات والفلك، وتحمل نسبة 55 في المئة من منشوراته العلميّة مشاركة دولية في تأليفها. 6- المعهد الهندي للعلوم بنجالور (في بنجالور): تنتج هذه الجامعة العدد الأكبر محليّاً من البحوث سنويّاً.