أظهرت برامج التلفزيون باعتبارها وسيلة للترفيه إيجابياتها التي لا تُحصى، خصوصاً على الأطفال؛ إلا أن أبحاث التلفزيون أظهرت أن التفاعل بين الطفل والشخصيات التلفزيونية يصل إلى ذروته لدى الأطفال الذين يتابعون الشخصيات الكرتونية وكأنها شخصيات حقيقية، فيتفاعلون معها، لأن قدرة الأطفال على التخيل كبيرة، فعندما يشاهد الطفل شخصية تتمتع بقدرات هائلة فإنه يتفاعل معها، ومن هنا فإن صناعة الكرتون من ناحية نفسية وتربوية، وفنية وإنتاجية من أعقد الصناعات، إذ يؤثر الكرتون على سلوك الطفل اليومي، ويلاحظ عند أطفال العائلات الذين تعلقوا بالتلفزيون، إذ تسهم العائلة بتسليم الطفل إلى التلفزيون من خلال تكرار عباره «افتح التلفزيون»، وكأنه الحل الوحيد أمام العائلة، والطفل المسكين يحاكي الشخصيات الكرتونية ويستخدم عباراتها في التعبير عن حاجاته ورغباته الاجتماعية والمعرفية. النماذج التي تُعرض في الفضائيات العربية تؤكد أن معظم القنوات العربية تقدم فترة الأطفال من دون بوصلة تحدد الاتجاه أو الأهداف، فمثلاً برنامج «تيمون وبومبا» يدور حول أكل الحشرات والديدان، وهي أمور مقرفة، ولضمان نجاح البرنامج تسويقياً استخدم المنتج الألوان والخلفيات والمؤثرات الصوتية الجذابة في سبيل الترويج للعمل من دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير مثل هذه الأفلام على تكوين جوانب شخصية الطفل، كذلك برنامج «عالم الديجيتال» الذي يعيش من خلاله الطفل صراعاً بين الواقع والخيال، ويكبر على صور الحروب والقتل، وكما معاملاته اليومية تتسم بالعنف الذي يظهر على أفراد أسرته، وشاشة قناة «نيكلالوديا» مليئة بالنماذج للإسقاطات الواقعية، خصوصاً «سبونغ شبوب»، الذي يدور البحر في سرواله الداخلي أمام الأطفال وهي تحتاج إلى دراسة مفصلة! أفلام الكرتون الحالية أقحم فيها الخيال، وأصبحت تمس نشأة الطفل وتؤثر على معتقداته ولغته، ومع الأسف، فإن البث العربي لها لا يتعدى إعادة ترجمة المحتوى من دون مواءمة حقيقية لها، لا من حيث وقت البث، أو تصنيف الفئات العمرية، فيجب تصنيف برامج الأطفال إلى فئات تظهر على الشاشة ضمن أوقات يحددها خبراء التربية والإعلام وعلماء النفس، تتضمن تقسيم البرامج الموجهة للأطفال، وأخرى موجهة للأطفال الأكبر سناً، الذين هم على عتبة المراهقة. ولأن واقع الحال يؤكد غياب الرقابة عن كامل الشاشة، فيتعين وضع خطوط عامة تتعلق بالعناوين العامة الرئيسة، مثل العنف والجنس والسياسة والدين، وإخضاع البرامج كافة الموجهة للاطفال تحديداً للبحث والدراسة قبل بثها. ويتعين على الأسر اختيار القنوات المناسبة لأطفالهم، وأن يعرفوا مضمون وبرامج القنوات، ويميزوا بين المناسب وغير المناسب، وإلى أي فئة عمرية يصلح، لحماية الأطفال من البرامج الضارة، أما الشركات المنتجة التي تقوم بالشراء والترجمة فهي أصل الحكاية الثاني! فلماذا لم تترجم لنا على سبيل المثال برنامج الدب في البيت الأزرق الكبير! الذي حاز على جوائز عالمية بسبب اعتماده وتوجهه الذكي نحو التربية والتعليم، وقبل نهاية البرنامج يقوم الدب بتلخيص ما تضمنته الحلقة بطريقة مبسطة وسريعة، حتى يتذكر الطفل الدروس التي تعلمها، وتظل عالقة في ذهنه، فمثلاً فعندما يقوم الدب بسؤال القمر (لونا) هل تحبين الرقص فترد عليه: أنا أؤدي رقصة كونية، فأنا أرقص حول العالم منذ ملايين السنين وأنير الليل، لذلك فإن البرنامج يعلّم الطفل بأن هناك حركة كونية دائمة، وأن على الإنسان التفاعل مع الطبيعة وبهذا تربط ثقافة الطفل بالطبيعة. هي رسالة للأسرة... التلفزيون ليس كل شيء في حياة الطفل، وليس مراقبتي لما يشاهده أطفالي جزءاً من الحل، بل الأفضل، كما يقول خبير التربية الألماني إيكويور جينس، هو «توجيه اهتمام الأطفال نحو أنشطة أخرى لشغل وقت الفراغ لديهم»... أنا شخصيًا أغلقت التلفزيون عن نفسي منذ ثمانية أشهر تقريباً لا أشاهده إلا لدقائق معدودة في اليوم الواحد، وقد اكتشفت خلال تلك الفترة عوالم جديدة داخل أسرتي ليس مجالها الحديث هنا، ولكن تأثير التلفزيون على مشاهديه، خصوصاً الأطفال، هي الأشد خطورة على الجسد والعقل. جربوا الحياة من دون تلفزيون، أو على الأقل قننوا أوقات المشاهدة إلى الحد الأدنى. [email protected]