ليس وقوع جريمة قتل في موسكو وفي وضح النهار بالأمر الجديد. ولكن الجديد هو اغتيال جنرال في الجيش الروسي. انه العقيد السابق يوري بودانوف، قائد كتيبة الدبابات في حرب الشيشان الثانية والذي حكم عليه بالسجن 10 أعوام لاتهامه بمقتل فتاة شيشانيّة زعم الجنرال أنها قنّاصة من الإرهابيين. وأسقطت عنه تهمة اغتصاب الشابة. وعلى رغم غموض تفاصيل جريمة القتل هذه، توجه أصابع الاتهام إلى الشيشانيين. وفي نظر القانون بودانوف مجرم حرب. ولكن القوميين الروس يرون أنه بطل وضابط خدم بلاده، وضحّي به في سبيل المصالحة مع الشيشان. وفي محاكمته، نظمت حركات قومية متطرفة عدداً من التظاهرات، ووجهت تهديدات إلى أهل الضحيّة، وحاولت التأثير في قرار المحكمة. وقبل أشهر طويلة، اغتيل المحامي ستانيسلاف ماركيلوف الذي مثّل عائلة الشابة القتيلة. وخلفت قرارات المحكمة الروسية في الشيشان استياء واحتجاجاً واسعاً. فالشيشان يرون أن بودانوف هو رمز العدو اللدود، ونموذجه المبتذل والمنحط. ولا شك في أن الحكم عليه هو عقاب يقتص منه، ولكنه عقاب «ناعم». وتقدم بودانوف بطلب عفو. ودعم طلبه حاكم مقاطعة اوليانوفسك ولجنة العفو. والدعم هذا أثار موجات احتجاج في الشيشان. وأعلن الرئيس الشيشاني أن منح بودانوف العفو هو «كالبصق على روح الشعب الشيشاني». وفي 2009، حصل بودانوف على إطلاق سراح مشروط، وتوارى عن الأنظار. وقيل أنه التحق بأقربائه في أوكرانيا. وقد يقوض مقتل بودانوف السلام الهشّ بين الشيشان وروسيا، في وقت يصعب اعتبار الشيشان جزءاً من الاتحاد الروسي. فرمضان قديروف يحكم هناك مثل سلطان مطلق الصلاحيات. وهو أرسى نظاماً ضعيف الشبه بالنظام المطبق في الاتحاد الروسي. وفي الشيشان، لا يعمل بالقوانين الروسية، ولا تلتزم المفاهيم الروسية. فالشيشان هو بلد آخر تدفع له موسكو أموالاً طائلة لقاء ولاء غير مشروط ولقاء عدم اضطرارها إلى التدخل فيه، في آن واحد. وجريمة قتل بودانوف تحرج موسكو. فهو رمز مهم من رموز القوميين الروس. وبودانوف ليس شخصاً عادياً من مشجعي لعبة كرة القدم المتطرفين. والرد على مقتله قد لا تحمد عقباه. وإذا كان القاتل من الشيشان، لن يسلّم للعدالة أبداً، خصوصاً أن السلطات الشيشانيّة تعارض أي خطوة من هذا القبيل. ولا يخفى على أحد أن تصفية أعداء قديروف في موسكو، على نحو ما حصل مع رسلان يماداييف وموفلادي بايساروف، هو أمر عادي، وهو أقرب إلى تصفيّة حسابات داخليّة. أمّا قتل بودانوف فهو أمر مختلف. والقوميون في روسيا قوة مؤثرة ضعيفة التنظيم ولكنها نافذة، وتعد العدة للتحرك وتوسل العنف. وهم لن ينتظروا نتائج التحقيق لعرض عضلاتهم. وإذا حاولت السلطة تهميش القضية، والتكتم عليها، يرجح أن تسوء الأمور أكثر. ويبدو أن القيام بتحقيق جدّي وفعلي في هذه القضية يكاد يكون مستحيلاً. وعليه، تحمل الجريمة هذه، بغض النظر عمن ارتكبها، بذور اضطرابات سياسية ونزاعات عرقية خطيرة. * صحافي، عن «سنوب» الروسيّة، 10/6/2011، إعداد علي شرف الدين