حينما تتماهى المصالح الشخصية مع سلوكيات الفرد تتوارى مصداقيته أو تكاد تنتفي أياً كان هذا الفرد، بل إن المعادلة أكثر تعقيداً وسلبية إذا ما كان فاقد الصدقية ممن يتقدمون المشهد الثقافي باعتباره قاصاً أم مفكراً استراتيجياً! أو من فئة الكتاب أصحاب الزوايا الأسبوعية والأعمدة الصحفية اليومية. قبل بضعة أشهر قرأت مقالا ل»الملحق السابق» يصف بلغة متشنجة مشاركته في احد المعارض الدولية للكتاب حيث شنّ هجوماً شخصياً على الملحق الثقافي، والملحقية الثقافية بصفتها المشرفة على جناح وزارة التعليم العالي المشارك في المناسبة، بل وصف ما شاهده هناك بأنه مجرد فوضى ستعود سلباً على الثقافة السعودية. وبنرجسية لا حدود لها اتهم الملحقية بتقصيرها في حق ضيوفها من نخبة المثقفين السعوديين، وما هؤلاء النخبة الذين يذكرهم إلا هو وأصدقاؤه الذين يتجولون في المعارض على حساب وزارة التعليم العالي من عاصمة إلى عاصمة. وللأسف: الأسماء نفسها تتكرر وكأن المثقفين حصرٌ علي هذه الأسماء حتى إن صحيفة الجارديان البريطانية قالت عن المشاركة السعودية في إحدى العواصم: «إن أفضل روائي سعودي وهو عبده خال لم يكن ضمن وفد المثقفين في تلك الفعالية». لقد كان «سعادة السابق» متطرفاً في طرحه، وموغلاً في الشخصانية حينما استعان بأتباعه لينظم حملة صحافية بدأها بمقالة متجنية، وأتبعها بتصريح يفتقر إلى أبسط مستويات اللباقة في صحيفة أخرى، وختمها بتجييش صانع القرار في وزارة التعليم العالي على موظفه ليعيده قبل أن يكمل سنة من عمره الوظيفي، بل الأدهى والأمر أنه وحينما انقشعت السحابة تبين أن هذه المسرحية نتيجة لتراكمات واهية بدأت حينما امتنع الملحق الثقافي عن تصديق شهادة «شفع» «سعادة السابق». أما في أسبوعنا المنصرم فعاد الملحق السابق وكتب عن «ثقافتنا في إحدى العواصم » مستعيناً بما تختزنه ذاكرته من أفعال التفضيل ليمتدح مشاركة وزارة التعليم العالي في معرض تلك العاصمة للكتاب ويخلع أبهى حُلل التمجيد لوزيرها النشط، فشرَّق وغرّب مادحاً ومشيداً ومبجلاً. حينما أتساءل مع نفسي عن الدوافع وراء هذين المقالين، أجد بما لا يدع مجالاً للشك أننا نعيش أزمة ثقافة وأزمة فكر إن لم تكن أزمة إنسان! ليس من حق «الملحق السابق» أن يستغل ثقة صحيفته في قلمه ويسخرها للنيل من هذا وذاك. وهو يعلم جيداً أن القذف جريمة لا تغتفر في العرف الصحفي العالمي فضلاً عن المحلي، ولا أخال أنه يجهل صرامة نظام النشر الصحفي في بريطانيا حيث لا تخلو صحيفة من وجود قسم قانوني تمر به المواد الصحفية قبل أن تأخذ طريقها نحو المطبعة، لأن نشر خبر ما يفتقر للقانونية سيوقع الصحيفة في دائرة المحاسبة، والكاتب للجزاء. لقد استمرأ ملحقنا السابق الثرثرة والعويل فمرة يتباكى على العروبة وأخرى يحذر الغرب من يوم موعود لا يعرفه سواه. ومرات عدة يبخس وزارة الثقافة والإعلام حقها في رعاية الثقافة ويحاول اختطاف هذا الدور لصالح وزارة التعليم العالي! ولا عجبَ في ذلك السطو! فهو المحاضر الأول عن الثقافة السعودية في عدد من العواصم. كم كنت أتمنى أن يكون ملحقنا السابق شجاعاً بقول الحق كما يدعي في مقالاته، ويتوقف قليلاً عن غمز فلان ولمز «علان» ويحدثنا عن حقيقة شفاعته في «شهادة» كانت وما زالت حديث الشارع السعودي. أتمنى أن يعلم البعض «من هم؟» في الخريطة الثقافية للبلد، أقصد أولئك الذين يكتبون القصة لعقود من الزمان ولم يصلوا لمستوى محمد علوان، ويدبجون المقالات الصحفية لسنوات ولم يبلغوا قلم خلف الحربي. لو عرف هؤلاء أن القراء يعيشون بفضل الإعلام الجديد أقصى درجات الوعي والقدرة على فرز الغث من السمين. أقول: لو عرفوا هذا كله لأحجموا عن «ثرثرة» يسمونها ظلماً «فصاحة». [email protected]