على رغم ان المشاركة البريطانية في حرب العراق عام 2003، ظهرت في عدد من الاعمال التلفزيونية البريطانية خلال العامين الماضيين على شاشات «بي بي سي» مثلاً، لكنها لم تتجاوز المستوى الذي فرضته الدراما التي كانت في نسيجه. إذ ظهرت غالباً في شخصيات جنود عادوا من الحرب، اي من جنوب العراق تحديداً، الى حياتهم الهادئة في مدنهم البريطانية، ليكتشفوا سريعاً ان حياتهم ربما تغيرت الى الأبد، وان الحرب تلاحقهم بكوابيسها، الى درجة أضحى حلم العودة الى «حياة» ما بعد الحرب، كحلم السلام في العراق! وبسبب ظروف انتاجية وبحثية، امتنعت غالبية تلك الاعمال التلفزيونية من الدنو أبعد من تقديم ظروف «العودة» للجنود البريطانيين، ولم تقترب من الحرب ذاتها وظروفها وايامها والجحيم الذي رافق بعض احداثها، مكتفية بأن تلعب دور «المحلل النفسي» للجنود العائدين. وهكذا راحت الدراما تستمع الى قصص الجنود المروعة، وتفتش معهم عن الشفاء، أو ترافق بعضهم مذهولة الى نهاياتهم الدامية، كما صورتها بعض حلقات مسلسلات «التحري» البريطانية عندما ينتهي الجندي البريطاني الآتي من مدينة البصرة العراقية كقاتل وضحية في آن واحد! من هنا يكتسب مسلسل «الإحتلال» الذي تبدأ قناة «بي بي سي الاولى» بعرضه هذا المساء، اهمية كبيرة. فهو العمل الاول الذي يخصص زمنه واحداثه كلها لحرب العراق. إذ يتبع بحلقاته الثلاث، حياة ثلاثة جنود بريطانيين اشتركوا في الحرب خمس سنوات، أي الى عام 2008. ومبكراً كثيراً في المسلسل، يواجه الجنود والاصدقاء الثلاثة الموقف الاصعب في حياتهم. فبعد سلسلة من المعارك والتفجيرات داخل مدينة البصرة، سيجد الجنود انفسهم في أحد اخطر الاحياء في المدينة. وعندما يتوجهون الى احد البيوت هناك، يمرون في تجربة تغير حياتهم الى الأبد. حتى عندما لا تصمد صداقتهم أمام فداحة التجربة، يجد الجنود أنفسهم وبعد سنوات من عودتهم الى بريطانيا، مجتمعين في البصرة مجدداً، وفي ظروف مختلفة كلياً، ليكونوا من شخصيات وشهود الزمن الذي اعقب انتهاء المواجهات المسلحة الكبيرة، وانطلاق القتال الطويل مع ميليشيات المدينة الرافضة للوجود الاجنبي فيها. يأمل مؤلف العمل بيتر باوكير بأن يسلط المسلسل الانتباه على اعمال البناء التي اعقبت الحرب والفضائح التي رافقتها والوجود المدني الاجنبي في مدينة البصرة. فبعد انتهاء خدمة بعض الجنود البريطانيين، عاد قسم منهم الى المدينة مع شركات الحمايات الامنية التي اكتسبت سمعة سيئة في العراق بسبب عدم خضوعها لقانون هذا البلد، وبسبب حوداث أمنية، صدرت من هذه الشركات، وذهب ضحيتها عشرات المدنيين العراقيين. ولا يخفي المؤلف الذي تحدث في بيان صحافي ل «بي بي سي» عن تردده في التعرض لموضوع الحرب على العراق والدور البريطاني فيها، إذ كان يعتقد ان الحرب تناولتها أفلام تسجيلية في شكل قوي، كما كان يجد صعوبة في ايجاد مبرر لعمل روائي غير حقيقي على رغم انه كان يخطط للاستعانة بكثير من القصص الحقيقية التي نشرتها الصحف البريطانية عن الحرب في مسلسله. من هنا اهتم المؤلف البريطاني بالكتابة عما اعقب تلك الحرب، وعن فصل من فصول «الجشع» كما سماه الذي بدأ مع عمليات الاعمار في العراق مستقطباً عشرات الشركات الوهمية والمجرمين الذين شاركوا وقتها في سرقة، يصفها بعضهم بأنها الاكبر في التاريخ الحديث! يشترك في بطولة المسلسل، عدد من النجوم البريطانيين، ومنهم جيمس نيسبيت ومن آخر أعماله فيلم تلفزيوني بعنوان «خمس دقائق في الجنة» عن المعضلة السياسية الإرلندية. * «بي بي سي الأولى»، 21.00 بتوقيت غرينتش