شكّل «مؤتمر الاستثمار في البنية التحتية في لبنان» منصّة لرسائل من المجتمع الدولي في اتجاه المجتمع السياسي والاقتصادي في الداخل، تحضّ على مواكبة جدية للاهتمام الذي يحظى به لبنان دولياً على الصعد المختلفة، وتحديداً في المجال الاقتصادي من خلال المؤتمر الاقتصادي الدولي لدعم لبنان «سيدر» المقرر عقده في باريس في السادس من نيسان (ابريل) المقبل، من خلال تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية. إذ سيُخصص «سيدر» لطرح برنامج الإنفاق الاستثماري الذي أعدّه لبنان، وتفوق قيمته 16 بليون دولار، ويشمل 250 مشروعاً في قطاعات خدمية وحيوية وإنتاجية. ويُعتبر «سيدر» حدثاً ل «تطوير البنى التحتية وليس لإدارة الأزمة»، وفق المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان، فيما يمثل تنفيذ هذه الإصلاحات رسالة تطمئن المستثمر. وافتتح المؤتمر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في بيروت أمس، ونظمته مجموعة «الاقتصاد والأعمال» بالاشتراك مع مكتب رئاسة مجلس الوزراء، بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية. واستقطب 600 مشارك من 20 دولة أوروبية وآسيوية وعربية يمثلون أكثر من 200 شركة ومصرف، وهيئات وصناديق التمويل التنموي والاستثمار المباشر. وعكست هذه المشاركة مدى الاهتمام بالمؤتمر من زاويتين، بحيث يحضر ل «سيدر»، ويفتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في تمويل 40 في المئة من المشاريع المطروحة، بما يتراوح بين 6 بلايين دولار و7 بلايين وفقاً لقانون الشراكة. واعتبر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه، أن «إطلاق الحكومة برنامج الإنفاق الاستثماري مثابة مبادرة إصلاحية، ينتج منها بداية تصحيح في الاقتصاد». وعرض مؤشرات «إيجابية»، مشيراً إلى «قدرة الاقتصاد على تجاوز تداعيات مرحلة استقالة الرئيس الحريري، والتي شهدت ارتفاعاً في الفوائد على الليرة اللبنانية بنسبة 2 في المئة، إذ تلا ذلك زيادة في موجودات مصرف لبنان المقومة بالدولار، بنحو 1400 مليون دولار حتى نهاية شباط (فبراير) الماضي، ما رفع الموجودات إلى نحو 43 بليون دولار». ولفت إلى أن ميزان المدفوعات «حقق في كانون الثاني (يناير) الماضي فائضاً بقيمة 235 مليون دولار، في مؤشر عكس عودة التدفقات النقدية». ولم يغفل أن وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني، «أكدت مجدداً نظرتها المستقرة للبنان خلال هذه السنة». وأعلن عن إطلاق هيئة الأسواق المالية منصة الكترونية لتداول الأسهم والسندات، «على أن يتولى القطاع الخاص إدارتها». وتوقع أن «تبدأ نشاطها في حزيران (يونيو) المقبل، آملاً ب «استكمال هذه الخطوة بخصخصة بورصة بيروت». ورأى دوكان، أن هذا المؤتمر هو «حدث تحضيري ل «سيدر» الذي ستنظمه الدولة الفرنسية بالشراكة مع لبنان». وأعلن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيشارك فيه، وكذلك وزيرا الشؤون الخارجية والاقتصاد والمال، وممثلون ل50 بلداً ومنظمة دولية. وقال: «أكّد رئيس الحكومة سعد الحريري حاجة الاقتصاد إلى إصلاحات، ونعني بها إصلاحات قطاعية، فضلاً عن إقرار القوانين التي صودق عليها لحفز الاستثمارات». وشدد على «إمكان تطبيق بعض هذه الإصلاحات قبل مؤتمر باريس، وتتمثّل في اعتماد موازنة هذه السنة، التي تفسح في المجال أمام القطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام، وموافقة البرلمان على المشاريع التي تحظى بمساعدة دولية، وموافقة الحكومة على المراسيم الفنية الضرورية التي تمكّن المجلس الأعلى للخصخصة من إتمام المشاريع التي تتطلب الشراكة بين القطاعين العام والخاص». ولم يغفل «أهمية إجراء التعيينات في الهيئات التنظيمية، مثل الاتصالات والطاقة والطيران المدني». وأشار إلى أنّ هذه الإصلاحات «تتطلب استثماراً على المدى الطويل، وزيادة في المدخول المالي وسدّ العجز، ومكافحة الفساد وإصلاح كهرباء لبنان». وأشار إلى أن «من الواجب أن تصب هذه الإصلاحات في مصلحة المستثمرين». وشدد على أن للقطاع الخاص «دوراً مهماً في حيوية الاقتصاد، كما أن المشاريع المدرجة في هذا البرنامج الاستثماري مهمة جداً، ومن شأنها استقطاب الشركات الصغيرة والمتوسطة». وأعلن رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير، أن مؤتمر»سيدر» خطوة جريئة وجبارة لاستعادة ما فاتنا من تطور وحداثة واستعادة تنافسية بلدنا». وحضّ على «إقرار الإصلاحات المالية والقطاعية والإدارية، للحصول على دعم المجتمع الدولي في هذا المؤتمر، وعلى الفائدة المرجوة من المشاريع التي ستنفذ». ودعا إلى «بدء ورشة تشريعية لتحديث القوانين، خصوصاً تلك المتعلقة بالشأن الاقتصادي». وأوضح الرئيس التنفيذي في «مجموعة الاقتصاد والأعمال» رؤوف أبوزكي، أن «البرنامج الاستثماري في البنى التحتية، موضوع هذا المؤتمر، خصص نحو 40 في المئة من كلفته أي نحو 6 بلايين دولار إلى 7 بلايين، لمشاريع شراكة مع القطاع الخاص، وفقاً لقانون الشراكة الذي يُعتبر الأمثل في المنطقة». وأكد أن على لبنان «مساعدة نفسه قبل طلبها من الآخرين، وهذه المهمة مطلوبة وبإلحاح اليوم». وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة زياد حايك، أن إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمصادقة عليها في أيلول (سبتمبر) 2017، «شكّلا نقطة تحوّل في المسار الاقتصادي للبنان». ولفت إلى أن القانون «يحدد إجراءات لتصميم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص». وأشار حايك إلى أن هذا القانون «لا يتطلب أي مراسيم تطبيقية»، لكن شدد على أن «تسهيل عمل المجلس الأعلى يستلزم اعتماد مراسيم مرتبطة بالإدارة الداخلية والموارد البشرية والإدارة المالية». وأملَ «بأن يقرّ مجلس الوزراء هذه المراسيم في أسرع وقت ممكن».