تكررت المطالبة ب «الإصلاح المالي والإداري» في كل المواقف الرافضة أو المؤيدة على مضض لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، والذي يساهم في إنقاذ المالية العامة من الأعباء والهدر، وفي استدامة تأمين تغطية متطلبات السلسلة مستقبلاً. وإلى الآن بقي «الإصلاح» شعاراً في لبنان حاملاً صفة «المزمن»، نتيجة التأخير لسنوات في تحقيقه، لأسباب كثيرة منها السياسي والظروف غير المؤاتية وتعطّل التشريع. فهل يرتفع «الإصلاح» إلى درجة أعلى في سلّم أولويات المجلس النيابي والحكومة حالياً، وتكون الخطوة الأولى في هذا المسار إقرار مشروع قانون الشراكة الذي يشكل ركيزة في الإصلاح، ويفتح في سوق العمل آفاق فرص العمل للشباب اللبناني. الأمين العام ل «المجلس الأعلى للخصخصة» في لبنان زياد حايك أكد في حديث إلى «الحياة»، أن إقرار مشروع قانون الشراكة «إنجاز بذاته»، وهو «ما يمكن تحقيقه هذه السنة»، نظراً إلى الاستحقاقات المرتقبة من انتخابات رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي. الأهم من إقرار مشروع القانون هو الالتزام، إذ في رأي أوساط اقتصادية وجهات استثمارية، يتوقف نجاح تخصيص أي مشروع على الثبات في التشريع والتزام العقود وليس التعديل والإلغاء مع أي تغيير في الحكومات. وتستند هذه الأوساط في ما تنبّه إلى تجارب سابقة ولأن التخصيص في لبنان خاضع للتجاذب السياسي. الاتصالات أولاً ويتفق حايك مع ما تشير إليه هذه الأوساط، مستغرباً «تحوّلها في لبنان إلى مادة للتجاذب السياسي نتيجة انقسام الطبقة السياسية حولها، مع العلم أنها أداة إصلاح اقتصادي وليس موضوعاً سياسياً»، معتبراً المواقف المعارضة أو المؤيّدة لها «غير منطقية». وأوضح أنها «تشكل في بعض الدول والقطاعات والأزمنة أداة صالحة للإصلاح الاقتصادي، وفي لبنان حالياً تصلح أداة لتحديث قطاع الاتصالات فقط»، الذي يحتاج إلى «إصلاح جذري» عبر تخصيص الهاتف الخليوي وإنشاء شركة «ليبان تيليكوم» استناداً إلى القانون 431 الذي ينظّم تخصيص هذا القطاع. وأكد أن النجاح في تحقيق ذلك «يمثل إنجازاً مهماً جداً وتقدماً بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني». وعزا التركيز على الاتصالات حالياً فقط من دون غيره على رغم أهمية قطاعات خدماتية أخرى مثل الكهرباء والمياه، إلى أن «تكنولوجيا الاتصالات تتغيّر بسرعة كبيرة يعجز القطاع العام عن مواكبتها حتى لو كانت الإدارة منوطة بشركات خاصة، نظراً إلى عجزه على الاستثمار بالشكل الذي تتطلّبه مواكبة التحديث في العالم». وأبرز حايك سبباً آخر يعزّز هذه الأولوية لقطاع الاتصالات، يتمثل في «حجم السيولة التي تؤمنها أسهم شركات الاتصالات المدرجة في أي بورصة في العالم، بالتالي تكمن أهمية توفير السيولة في البورصة في تغطية حاجة الشركات الخاصة من رؤوس الأموال كي تتمكّن من النمو والتوسع والاستثمار في الدول العربية وفي بلدان أخرى في العالم، فضلاً عن المساهمين والشركاء، ما يفيد تلقائياً الاقتصاد». وإذ لم ينكر أهمية القطاعات الخدماتية الأخرى، شدد على أن «ترتيب الأولوية بعد الاتصالات يكون للكهرباء ومن ثم النقل العام وأخيراً المياه». ولفت إلى أن آلية أداة الإصلاح فيها تتمثل ب «قيام شراكة بين القطاعين العام والخاص، فقطاع الكهرباء مثلاً يحتاج إلى معامل إنتاج جديدة يمكن القطاع الخاص أن يبنيها نظراً إلى عجز الدولة عن ذلك، التي تتملّكها بعد انتهاء فترة التشغيل والإدارة اللذين تتولاهما الشركة الملتزمة ولتصبح في النتيجة ملكها (بنظام بي أو تي)». لذا يكمن الفرق بين التخصيص والشراكة في أن «الأول هو بيع ممتلكات الدولة والثانية شراء ممتلكات جديدة». النقل العام ضرورة ويلي الكهرباء في سلّم أولويات التخصيص قطاع النقل العام، لأنه يشكّل «أداة مهمة لتأمين التواصل السهل بين المناطق، ما يؤمّن فرص عمل في كل المناطق لا تكون محصورة في بيروت الكبرى، وعبر شبكة طرق مواصلات متطورة تقصّر المسافات والوقت المستهَلك للانتقال بين المناطق». لذا من شأن «هذا المشروع الحيوي المساهمة بفعالية في دينامية الاقتصاد وإخراجه من الجمود». وتوازي الحاجة إلى التخصيص والشراكة بهدف تحديث البنية التحتية لقطاع الخدمات وتطوير نوعيتها وجودتها وفق حايك، «الحاجة الملحّة إليهما التي يفرضها واقع سوق العمل في لبنان، لأنّ بالتخصيص والشراكة يمكن خلق فرص عمل للشباب الذين يتخرّجون سنوياً وتهاجر غالبيتهم لعدم توافر الوظائف في السوق المحلية». وإذا كانت الظروف السياسية والأمنية المحلية وفي عام الاستحقاقات الرئاسية والانتخابات النيابية مؤاتية لطرح أي مشروع للتخصيص أو الشراكة، استبعد حايك «أي إمكان لتخصيص الاتصالات هذه السنة، لأنّ الأولويات تتركز على الاستحقاقات السياسية والدستورية». لكن رأى أن «ما يمكن تحقيقه هذه السنة هو إقرار قانون الشراكة الذي يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء وطرحه للمصادقة عليه في المجلس النيابي». وقال: «في حال تمكّنا من إقراره هذه السنة نكون حققنا إنجازاً مهماً». وعن دور المجلس الأعلى في مشاريع التنقيب عن النفط والغاز، أوضح حايك أن المجلس «اضطلع بدور في هذا الملف ولا علاقة له به اليوم، لكن نأمل في أن يكون له دور في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا الملف مستقبلاً». واعتبر ان دور المصارف في مشروع الشراكة، «يندرج في عملية التمويل وهي تملك جزءاً من القرار لأن لا إمكان لإقرار أي مشروع أو عرضه على التلزيم إلاّ إذا كانت المصارف أمّنت التمويل». وشدد على أن للمصارف «دوراً مهماً في ضبط عملية تنفيذ المشاريع من دون عرقلة أو فساد بشروطها الصارمة». ورفض حايك ما يُتداول حول عجز المصارف عن تأمين التمويل الطويل الأمد «بحجة الإيداعات القصيرة الأجل»، كاشفاً أن الحاجة إلى تمويل المصارف «لا يتعدى 3 بلايين دولار لتغطية كلفة تنفيذ كل المشاريع القابلة للشراكة أو التخصيص»، من دون أن يغفل أن التمويل «لن يقتصر على المصارف بل سيكون للمؤسسات المالية الدولية دور تمويلي أيضاً».