إننا في إيران ولسنا في بريطانيا أو النمسا. اللعبة الديموقراطية ليست مفتوحة على مصراعيها. إنها ديموقراطية تدور تحت صورة الإمام الخميني وتحت رقابة المرشد. لا يحق للناخب الذهاب في غضبه واعتراضه الى حد تهديد الهيكل وركائزه وسلامته. آليات السماح للمرشحين بالوصول الى المنافسات النهائية تضمن عدم حضور الانقلابيين. بهذا المعنى تصبح الانتخابات فرصة لتجديد المبايعة للنظام الذي أنشأته الثورة. وسيلة لتنفيس الاحتقانات. فرصة لتبديل الأسماء أو توهم القدرة على التبديل من دون المس بالتوجهات الكبرى. الرئيس الايراني ليس صانع سياسات. ليس صاحب القرار ولا الكلمة الأخيرة. المرشد هو صاحب الكلمة الأخيرة في التوجهات العامة في السياسة الخارجية والدفاع والأمن والإعلام والثقافة أيضاً. الرئيس الايراني مترجم لهذه السياسات ومسوّق لها ومعبّر عنها. هذا لا يلغي قدراً من التأثير لشخصه وأسلوبه وشعبيته. تجربة محمد خاتمي أكدت ذلك. وقوف المرشد الى جانب أحمدي نجاد أعاد التأكيد. الشوائب التي رافقت الانتخابات الرئاسية في ايران لا تلغي حقيقة أن أحمدي نجاد حقق فوزاً واسعاً. يمكن فهم ذلك في ضوء تأثير مؤسسة المرشد والمؤسسة العسكرية والأمنية وثقل «الحرس الثوري» في الأمن والاقتصاد والمجتمع. لكن ذلك وحده لا يكفي لتفسير هذا الفوز. لا بد من الاعتراف بأن الايرانيين أعادوا مبايعة أحمدي نجاد على رغم عدم نجاحه في تحقيق وعده بإيصال عوائد النفط الى موائدهم. اقترعوا له على رغم ارتفاع نسبة التضخم ومعدلات البطالة. وهذا الأمر يضاعف الأسئلة. هل اهتموا بإيران القوية أكثر مما اهتموا بإيران المزدهرة؟ وهل صوّتوا لقبضته المرتفعة في وجه «الشيطان الأكبر»؟ وهل ابتهجوا بالإنجازات التي حققها أحمدي نجاد في الإقليم، من العراق الى لبنان الى غزة؟ ولماذا لم يستمعوا الى التحذيرات التي أطلقها معارضوه من مخاطر الفشل الاقتصادي في الداخل ومخاطر العزلة الدولية في الخارج؟ الأكيد أن احتفال المرشد بفوز أحمدي نجاد كشف أن ايران تتجه نحو انقسام عميق حول خيارات الداخل والخارج وأن الكوابح التي أقامها النظام لمنع «الثورة المخملية» قد لا تكفي لمنع اضطرابات قد يطلقها الشعور باليأس من القدرة على التغيير. اختارت ايران تمديد اقامتها في ظل قاموس أحمدي نجاد. وهو قاموس بعيد عن قاموس باراك أوباما والرياح التي أطلقتها خطبه، خصوصاً تلك الموجهة الى العالم الاسلامي. مفردات القاموس الايراني بعيدة أيضاً من مفردات القاموس التركي. ومن مفردات القاموس السوري أيضاً. وبمقدار ما سيظهر أوباما جدية في تقريب الأقوال من الأفعال ستزداد غربة القاموس الايراني عن القواميس الدولية والاقليمية أيضاً. وقد تكون الحكومة المتطرفة في اسرائيل أول المستفيدين من اصطدام القاموس الايراني بمناخ الاعتدال الدولي - الاقليمي السائد حالياً. لا يكفي أن تكون قوياً. ولا يكفي أن تجمع الأوراق. الامتحان هو ماذا ستفعل بأوراقك كي لا تتحول عبئاً عليك. وعلى أحمدي نجاد أن يتنبه الى أن صورة «الشيطان الأكبر» تغيرت. وأن العرب يراهنون على اقامة السلام مع الدولة التي يدعو الى شطبها من الخريطة. إن ولاية أحمدي نجاد الجديدة ستتحول عبئاً على بلاده والمنطقة اذا اعتبر أن مهمته الأولى هي لعب دور حارس القاموس. القاموس القديم الصارم الخائف من عالم متحول. القاموس القاطع المتوتر. والأكيد أن على ايران أن تتذكر بلاداً كان اسمها الاتحاد السوفياتي طحنها العالم المتغير من فرط ما تمسكت بحرفية القاموس.