لقد غرر بي اسم «ساهر» فأوحى لي بأنه اسم لشاب طويل ونشيط يقف في الشوارع ساهراً، فمن يطيق السهر سوى الشباب النشيط، وما بالك لو كان سهره هذا ليس من أجل كتابة الشعر والتغني بمحبوبته بل من أجل خدمة الوطن والسهر على راحة المواطنين، لكن أحلامي «الساهرية» استيقظت على حقيقة مرة تقول بأن ساهر ليس بشاب طويل كما أعمدة الإشارات والكاميرات التي رأيتها في شوارع لوس أنجليس ودبي، ذلك النوع من الكاميرات الذي يغمز غمزة تخترق جوفك وترمي الرعب والقلق فيه، وتضطرك للاعتراف بالحقيقة: صادني ساهر. فوجئت وأنا أركب مع أخي الذي جاء يقلني من المطار ونحن نمشي في طريق شبه مظلم تنعدم الرؤية فيه بسبب الغبار، بأخي يلكزني ويهمس كأنه يفشي لي سراً، قائلاً: شوفي ساهر. تلفت افتش عن ساهر فوجدته سيارة وقفت على جانب الطريق يفتح رجل صندوقها موهماً الآخرين بأنها سيارة معطلة وما أن يسرع المسرع «حتى يغمز له ساهر، ثم يرفع إصبع النصر وراءه، أو شعار «صادوه». هذه هي القصة إذاً: صادوه؟ أو صدني وأصيدك، إذاً المسألة لا تعتمد على صراحة القانون ومواجهة المسؤولية العلنية في الشارع وفي النظام، بل هي مطاردات وغنائم؟ بدأت أسمع قصص ساهر العجيبة، مرة مختبئاً في سيارة فان، ثم تتغير السيارة لأخرى، وكلما كشف الشباب المتصيدون لساهر طريقته الجديدة كلما غير ساهر وجهه أو خطته. بدأت أغير فكرتي عن ساهر، الذي ظننته شاباً وطنياً ساهراً لخدمة الشباب ليصبح مجرد كازانوفا مخادع اشتهر بالخداع والتغرير بالنساء، لكن كل هذه التسميات لن تصلح ما أفسده ساهر حين خان العهود والمواثيق واضطر أن يلجأ للخداع والحيل، وهذه ليست بمبادئ الرجل الصالح. في كل شوارع العالم التي تستخدم نظام مراقبة السرعة والتجاوزات المرورية، هناك كاميرات تقف معلنة عن نفسها بصراحة ووضوح، وليست مضطرة لإخفاء نفسها لأن ليس من أخلاق النظام المروري تصيد البشر بل المراقبة وحماية أرواحهم ونظامهم المروري. من حق قائد السيارة في الطريق أن يقف على الشروط والتنظيم بشكل علني ومن حق النظام أن يخالف المخالفين، أما أن يختبئ الساهر خلف حيل وكأنه يلعب لعبة أو يقتنص البشر فيها فهذه ليست من أخلاق النظام، وإلا على ماذا سهر هذا الساهر؟ وماذا يمكن أن يتعلم الإنسان من القانون إذا كان يلعب معه لعبة التخفي ويصطاده؟ وهل يستطيع نظام مثل هذا أن يقنعه أنه وجد من أجل خدمته لا من أن أجل جباية أمواله وخداعه؟ بل ربما يدفع الذكي إلى أن يتذاكى هو الآخر عليه ليصبح الفوز هو قيمة النظام نفسه، ولهذا أقترح أن نخلع عن هذه النظام رومانسيته التي جعلته مرة ساهر، ومرة كازانوفا المخادع، ونعيد له رزانة النظام ووصفه بكاميرات مراقبة السرعة، ويجب ألا يتعدى عملها مراقبة سرعة. [email protected]