كم كانت مفاجئة إطلالة الممثلة ومقدمة البرامج مادلين طبر في برنامج «حديث البلد» الذي تعده وتقدمه الإعلامية منى أبو حمزة (أم. تي. في)، لا لغيابها الطويل نسبياً عن الشاشات اللبنانية فقط وإنما لاختلاف صورتها الراهنة عن صورتها المطبوعة في أذهان جمهورها الأول، لا سيما التلفزيوني اللبناني، جراء أعمال التجميل التي حصلت في وجهها. فوجئت شخصياً بعدم معرفتي إياها أو تعرّفي إليها بعدما غابت عن الشاشات اللبنانية لسنوات. نظرت إليها ملياً فلم يوح لي وجهها بأي ملمح سابق لها، علماً أنني التقيتها مراراً وأجريت معها أكثر من حوار أيام بداياتي في الصحافة. وكنت معجباً بإطلالتها حينذاك في برامج عدة منها «استوديو الفن» إلى جانب الإعلامي أنطوان بارود، وبجرأتها وثقافتها وعفويتها وسرعة البداهة لديها. ولا أنسى حلقة تلفزيونية استضافت فيها الفنان زياد الرحباني مع أعضاء من فرقته ونجحت في محاورته وفي ضبط بعض تعابيره الساخرة جداً التي لم توفر أحداً حتى في الاستوديو. عندما شاهدتها مع الإعلامية الراقية منى أبو حمزة انتظرت أن يُلفظ اسمها، لأعرف من هي هذه الفنانة والممثلة التي لم تتوقف عن مدح نفسها واختيار نفسها نجمة الممثلات الراهنات بتواضع كلي. ثم عندما لفظ اسمها صدمت: أهذه هي مادلين طبر؟ ماذا فعلت بنفسها؟ لماذا تغيّر وجهها هذا التغير شبه الكلي؟ لماذا تبدل حتى صوتها الذي كان مميزاً فأصبح بلا هوية؟ لم أعرف بأي لهجة كانت تتحدث مادلين: بالمصرية أم باللبنانية أم بالسورية؟ حتى نطقها لم يكن واضحاً. إنها اللهجة الهجينة التي شوهتها الهوية الضائعة أو اللاهوية بحسب ما يقول علماء الألسنية. حتماً تتكلم مادلين باللهجة المصرية عندما تكون في مصر، فهي أمضت فيها كما قالت، نحو ثلاثين سنة وأضحت واحدة من الممثلات المعروفات في الدراما والسينما المصريتين كما يُقال. وهي عندما تكون مع أهلها في بلدتها الشمالية زغرتا لا بد أن تتكلم اللهجة البلدية لأنها اللهجة الأمّ التي لا يمكن نسيانها لأنها تنطبع انطباعاً في اللاوعي الإنساني. أما في البرنامج فضاعت اللهجة وثقلت الحروف ونبرات الصوت، ما جعل الفنانة مستلبة لغوياً. ولا أدري كيف تطل مادلين في أفلامها المصرية ومسلسلاتها، لكنني أذكر أنها لعبت دوراً جميلاً مع الفنان السوري دريد لحام في فيلم «كفرون». لا مجال هنا لمناقشة ما قالت مادلين في «حديث البلد»، ف «النجوم» أو «النجمات» لا ضوابط لكلامهن خصوصاً عندما يدور حول أنفسهن المصابة بمرض «الايغو» المتضخم والنرجسية والعنجهية. وهي حرة طبعاً في أن تقول ما تشاء مثلما هي حرة في تجميل وجهها وجسمها من أجل محاربة الزمن والانتصار عليه. وهذه ليست مشكلة مادلين وحدها، فما أكثر الفنانات اللواتي سعين إلى «شدّ» الوجوه وسواها فنجحن حيناً وفشلن حيناً وأحدثن فضيحة أو فضائح، ولا حاجة إلى ذكر أسماء، فالشاشات مملوءة بهن. يحق حتماً لأي إنسان أن يواجه سطوة الزمن فيجدد نفسه ويجمل وجهه ويحارب تجاعيد العمر التي تهدده. هذا حق طبيعي، شرط ألا يتحول هاجس التجميل كابوساً فيترك أثراً تشويهياً رهيباً كما يحصل دوماً لدى الممثلات ومقدمات البرامج. دورة الزمن مخيفة ولا بد من إبطائها أو تجميدها. لا بد من القضاء على كل تجعيدة أو ثنية في الوجه. الجمال هبة ويجب الحفاظ عليها. ليس هاجس التجميل مرضاً إذا استطاعت الفنانة أن تنتصر عليه وتخضعه لمصلحة وجهها. لكنه عندما يصبح خيانة للوجه والجسد والروح ينتهي حالة مرضية واضحة. مهما حاول الإنسان الانتصار على الزمن، فهو يظل عاجزاً أمامه. يحقق المرء خطوات في هذا الاتجاه، لكنّ الزمن هو سينتصر في الختام، ويا للقدر! لعل أقصى تهاون يمكن أن تصل إليه ممثلة ومقدمة برامج في موقع مادلين طبر هو أن يجهلها جمهورها الأول -لا أن يتجاهلها- أي ألا يعرفها عندما يراها بعد غياب وأن يخطئ بها فلا يتعرف في وجهها إلى الفنانة التي طالما أحبها سابقاً.