يتلذذ كثير من البشر بالأطعمة التي تحتوي على توابل حارة، خصوصاً التايلندية والصينية والهندية والإثيوبية، والتي تشمل مأكولات عدة يمكنها أن تؤلم فمك بشدة. وتستهوي بعض الموضوعات ذات الصلة بهذه الأطعمة، مثل تصنيف الفلفل الأشد حرارة وإيلاماً في العالم، ومقارنة الأطباق ذات التوابل الأكثر حرارة بعضها ببعض، العديد من محبي هذه الأطعمة. وهناك من يقول مثلا إن تجربة تناول وجبة «ويدور فال» المميزة في المطاعم الهندية، التي يصنعها الطاهي وهو يرتدي نظارات واقية عند إضافة الفلفل الحار إليها - والذي تصل شدة مذاقه إلى مليون وحدة على مقياس سكوفل، وهو مقياس دولي لقياس شدة حرارة الأطعمة الحارة- تعد أكثر إثارة من تجربة تناول طبق «بوريتو الانتحار»، وهو طبق كوري سيئ السمعة بسبب الألم الشديد الذي يسببه في الفم. هناك كثير من الأطباق الحارة الشهيرة في جميع أنحاء العالم، وتشمل مثل هذه الأطباق طبق «فيندالو بالفلفل الشبح» في الهند، وطبق «الطبخ الحار» في سيتشوان، إذ يتعين عليك إضافة مجموعة من قطع الفلفل الحار في المرق للحصول على ذلك المذاق الحاد مع خلطة من اللحوم والخضروات في ذلك الطبق الصيني. ومع ذلك، عندما تتذوق هذه النكهات، قد تتساءل: لماذا يتنافس بعض المطابخ على لقب «المطبخ الحريف الأشد حرارة وإيلاماً»، بينما لا يظهر بعض من يتناولون هذه الأطعمة أي إشارة إلى الشعور بالألم أو التأثر بها؟ سؤال حير علماء الأنثروبولوجيا ومؤرخي الغذاء لبعض الوقت. وفي الواقع، إنها حقيقة غريبة مفادها أن الأماكن ذات المناخ الدافئ تظهر تفوقاً أكثر في ما يتعلق بانتشار الأطباق الحارة ذات التوابل الحارة. وقد يعود ذلك إلى حقيقة أن بعض التوابل لها خصائص كمضادات الميكروبات، كما تقول بعض الدراسات. وفي إحدى الدراسات عن كتب الطبخ، لاحظ الباحثون ما يلي: «مع ارتفاع درجات الحرارة السنوية، ارتفع عدد الوصفات التي تحتوي على التوابل الحارة، وزاد أيضاً عدد التوابل المستخدم في كل وصفة، وكذلك استخدام التوابل المضادة للبكتيريا». وفي الأماكن الحارة، حيث كانت الأطعمة تفسد بسرعة قبل التبريد، ربما كانت التوابل ساعدت على حفظ الأطعمة لفترة أطول قليلاً، أو على الأقل جعلتها أكثر استساغة. وأشارت الدراسات أيضاً إلى أنه نظراً إلى أن الطعام الحار يسبب التعرق لدى معظم الناس، فإنه قد يساعدنا على الشعور ببعض البرودة في الأجزاء الحارة من العالم، إذ أن تأثير التبريد التبخيري الذي يحدث عندما نفرز العرق مفيد حقاً للحفاظ على توازن الحرارة في الجسم. لكن التوابل تنتشر أكثر في المناطق الاستوائية، ففي حين أن الفلفل الحار هو أصلاً من الأميركتين، إلا أنه انتشر حول العالم على نطاق واسع في القرنين السادس عشر والسابع عشر، متنقلاً مع التجار الأوروبيين. وأما التوابل الأخرى التي ليست حارة، على غرار الفلفل، والتي لا تزال لها نكهات قوية تجلب نوعاً من الجاذبية إلى الطعام، فكانت انتشرت في أوروبا منذ قرون، وكانت توابل مثل الزنجبيل والفلفل الأسود والقرفة تأتي من الشرق.