«هزة أرضية»، «أيامه الأخيرة»، «سقوط الجدار»، «القصة انتهت»، «كفى، سئمناك»، «الصندوق الأسود»... غيضٌ من فيض عناوين وسائل الإعلام العبرية أمس بعد ساعات من «القنبلة» التي ألقتها الشرطة بالتوقيع على اتفاق مع وكيل وزارة الاتصال سابقاً شلومو فيلبر، المقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ليكون «شاهد ملك» في ملف التحقيق الجنائي المعروف ب «ملف 4000» والشبهات بتورط نتانياهو بصفقة رشاوى مع رجل الأعمال شاؤول ألوفيتش نفذها من طريق فيلبر إيّاه. ورد نتانياهو الذي يصارع من أجل البقاء سياسياً في ضوء تزايد شبهات الفساد ضده، وكتب على «فايسبوك» مستشهداً بسفر الخروج: «ولكن، بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا»، مضيفاً أنه ضحية «مطاردة ساحرات» سياسية. كما وصف ب «الهذيان» إعلان الشرطة أن الناطق السابق باسمه حاول رشوة قاضية لإسقاط قضية احتيال ضد زوجته سارة. واعتبر مراقبون أن الاتفاق بين الشرطة وفيلبر شكل ضربة قوية لنتانياهو، وسيسهّل عمل الأولى في إعداد توصيات باتهامه وعدد من مقربيه وألوفيتش بعقد صفقة رشاوى، إذ شرَعت الشرطة أمس بالاستماع إلى إفادات فيلبر وسط توقعات بأنها ستجرّم نتانياهو. واستذكر معلقون كيف أوقعت شولا زاكين مديرة مكتب رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت به، عندما وافقت على أن تكون شاهد ملك، فأُرسل إلى السجن لعام ونصف العام، مع التذكير أيضاً بأن مقرباً آخر هو رئيس طاقم مكتب نتانياهو سابقاً آري هارو، سيكون شاهد ملك في الملفين السابقين اللذين أوصت الشرطة بمحاكمة نتانياهو بالرشوة بناء على مضمونهما. وكان نتانياهو استقدم، بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل ثلاث سنوات، الناشط في حزبه «ليكود»، رئيس طاقم الانتخابات فيلبر ليكون وكيلاً لوزارة الاتصال التي احتفظ بها نتانياهو لنفسه. واعتُبر ألوفيتش خلال العقدين الأخيرين «أمين سر نتانياهو»، و «خزنته الحديد» و «بئر الأسرار» و «الصندوق الأسود». وطبقاً لتحقيقات صحافية وتقرير «مراقب الدولة»، فإن فيلبر، ويبدو بإيعاز من نتانياهو، وفّر لألوفيتش، رجل الأعمال ومالك شركة «بيزك للاتصالات»، منافع مالية وامتيازات غير قانونية بأكثر من مئة مليون دولار، في مقابل أن ينحاز موقع «واللّا» الإخباري، وهو الأول على شبكة الإنترنت ويملكه ألوفيتش، إلى جانب نتانياهو وعائلته، وهو ما تم فعلاً، وفق اعترافات المدير العام للموقع ومحرره السابقين بأنهما تلقيا تعليمات من ألوفيتش وزوجته بأن تكون التقارير إيجابية في موازاة شطب أي خبر ينتقد عائلة نتانياهو. وتعتبر الشرطة هذا الاتفاق «صفقة هات وخذ»، أو في القاموس القانوني رشوة ممنوعة. وكانت الشرطة اعتقلت الأحد الماضي ألوفيتش وزوجته وابنه وفيلبر والمستشار الإعلامي لعائلة نتانياهو نير حيفتس، خمسة أيام على ذمة التحقيق، ونجحت خلال يومين في إقناع فيلبر بأن يكون «شاهد ملك»، ما أحدث مفاجأة مدوية في أوساط «ليكود»، ودفع بقادة المعارضة وكبار المعلقين إلى اعتبار هذا الاتفاق أشبه ب «الصندوق الأسود» في الطائرة الذي سيدلي بكل التفاصيل من الداخل. واعتبر محرر صحيفة «هآرتس» آلوف بن، موافقة فيلبر على أن يكون شاهد ملك «ضربة قاتلة» لنتانياهو، وإن بقي على كرسيه بضعة أشهر أخرى. وأشار إلى حقيقة تورط أقرب مقربي نتانياهو في ملفات التحقيق المختلفة، آخرها تورط حيفتس في عرض رشوة على قاضية متقاعدة لتغلق ملفاً ضد زوجة نتانياهو في مقابل تعيينها مستشارة قضائية للحكومة، وهو ما أكدته رئيسة المحكمة العليا في إفادتها للشرطة. وتوقع معلقون أن لا تكون هذه الفضيحة الأخيرة، وأن تكشف الأيام المقبلة محاولات مماثلة للرشوة قام بها مقربون من نتانياهو. وكتب معلق الشؤون الحزبية يوسي فيرطر أن إفادة فيلبر ستُحكِم الخناق حول عنق نتانياهو في ملف الرشوة مع ألوفيتش، و «عليه، يمكن القول إن نتانياهو انتهى، وإنه فوّت فرصة الخروج من البئر القانونية التي وقع فيها بثمن بسيط يتمثل باعتزال الحياة السياسية، والتوصل مع النيابة العامة إلى صفقة ادعاء». وخلافاً لما حصل مع تقديم الشرطة توصياتها بمحاكمة نتانياهو في الملفين السابقين من وقوف جميع شركائه في الائتلاف الحكومي إلى جانبه، فإن مراقبين يتوقعون أن يعيد بعضهم، خصوصاً زعيم حزب «كلنا» وزير المال موشيه كحلون، حساباته في أعقاب التطورات المتسارعة في الأيام الأخيرة، من دون استبعاد أن تؤدي التطورات إلى تبكير الانتخابات العامة المقررة أواخر العام المقبل، في حال اشتد الخناق على نتانياهو أو انسحب أحد الأحزاب من الائتلاف الحكومي، أو أن يُقْدم نتانياهو على الذهاب إلى انتخابات معتمداً على استطلاعات جديدة للرأي تفيد بأن «ليكود» سيرفع عدد مقاعده في الكنيست الجديدة من 30 إلى 34 مقعداً.