تسعى الشاعرة والمترجمة اللبنانية صباح زوين إلى تقديم صورة عن الشعر الأرجنتيني الحديث من خلال كتابها الجديد «شعراء من الأرجنتين» (دار نلسن 2011) الذي ساهم في إعداده احد أقاربها المقيمين في الأرجنتين الشاعر ادغاردو زوين. فهما، صباح وإدغاردو، يعودان لأبوين لبنانيين وأمين أرجنتينيتين. يذكر ادغاردو في المقدمة كيف انه، حين قام بإعداد أنطولوجيا «في لقاء الشعر» الكتاب الذي نشر بالإسبانية في الأرجنتين سنة 2008 وضم ثلاثين شاعراً لبنانياً وثلاثين شاعراً أرجنتينياً، فكر بمشروع جمع الشعراء الأرجنتينيين الذين يمثلون فضاء للتلاقي أو لإعادة التلاقي من خلال نظرة الشعراء بين لبنان والأرجنتين. ولأن العالم أصبح قرية بفعل الإنترنيت، يشرح ادغاردو كيف تم الإعداد لهذا الكتاب حين عثر من خلال بحثه في الإنترنيت على اسم الشاعرة والمترجمة صباح زوين قريبته التي تعيش على ارض أجداده. في إحدى رسائلها تخبر صباح قريبها ادغاردو عن ترجمتها لشعراء من الأرجنتين باللغة الإسبانية ويتفقان في ما بعد على العمل لإخراج هذا الكتاب إلى الوجود بعد إن نجح مشروعهما الأول «في لقاء الشعر» الذي صدر عن دار «تانتاليا» واحتفت به سفارة لبنان في بوينس ايرس. الكتابان اللذان صدرا في بوينس ايرس وبيروت باللغتين العربية والإسبانية حققا بالفعل ذلك التواصل بين قراء العربية والإسبانية وقدما الشعر اللبناني الحديث إلى الناطقين بالإسبانية، وهم كثر كما هي حال الناطقين بالعربية إذ أصبح بإمكان القارئ العربي الاطلاع على التجارب الشعرية الجديدة في الأرجنتين. نجحت المترجمة صباح زوين في اختيار النصوص وكتابتها، ومن يقرأ النصوص يكتشف ذلك بسهولة إذ غاب العنف والخطاب الصاخب واللغة الحديد وحل محلها الأنسنة والطبيعة والتفاصيل الصغيرة الحميمة والحيوان وأشياء الإنسان الصغيرة التي لا نكاد نعيرها أية أهمية مثل الحصان والطاولة والغيمة. النصوص المترجمة جاءت متقشفة وذات نبرة خافتة ويغلب عليها السرد والوصفية وذلك الإيقاع الخفيض على العكس من الإيقاع الراقص في اللغة الإسبانية ذي النبر الحاد، وربما يعود ذلك إلى طبيعة الموضوعات التي تعالجها النصوص في انحيازها إلى ما هو غير مفكر به والمهمل في الحياة. وحضور الطبيعة الطاغي في هذه المختارات ولا نقول الأنطولوجيا يبدو هو الذي أثر على الإيقاع في اللغة، اللغة نفسها، الوصف والسرد والحالات اليومية. من قصيدة الشاعر هوغو باديليتي «أغنية بنفسجية» نجد تلك الأنسنة التي تعيد الارتباط بالطبيعة والحيوان وتقريبها إلى الواقع الذي بدأ يفقد عناصره الأولى. يقول هوغو محاوراً حصانه وهو يذكرنا بالشاعر الروسي الكبير يسنين: «في الليل البنفسجي، في صمته الطويل المرتعش / الحصان قال لي ليكن قلبك مرة واحدة على الأقل بنفسجياً / غادر الخيزران الأحمر، وتلك الصهباء، تلك الملطخة بدماء الخراف / من اجل عشب الليل. ادخل الليل البنفسجي مع حصاني / قلبي الأسود كطائر السمن / يبحث عن أغنية «. شاعر آخر هو سانتياغو سيلفستر يحتفي بالحيوانات الصغيرة التي ندهسها من دون إن ننتبه لوجودها عادة في حياتنا اليومية إن لم نقم بقتلها فور رؤيتنا لها رغم هشاشتها البالغة: « ليس من خطأ في هذا الحلزون الذي يتسلق الحائط / يبدو غير مهتم بهذه الغيمة ذات اللون الحائر / بتدفق الشمس هذا، ولا حتى مهتم بالطيران الخفيف لجديلة شعرها / الحقل الذي ينفتح وادياً نحو الأسفل «. هناك شعراء كثيرون في هذا الكتاب الممتع نستطيع إن نعثر عليهم بسهولة من خلال النصوص التي اشرنا في البداية إلى موضوعاتها الجديدة في ما يتعلق بالشعر الأرجنتيني الجديد، ولابد إن نشيد بالجهد الذي قامت به الشاعرة صباح زوين كمترجمة قدمت لنا فكرة جديدة وحقيقية عن الشعر في بلد مثل الأرجنتين.