بعد ستة أشهر من طي السعوديين جدلاً دام عقوداً حول تدريس التربية البدنية في مدارس البنات، كان منظر طالبات في المرحلة الابتدائية وهن يؤدين عروض الكاراتيه أمام نائب وزير التعليم الدكتور عبدالرحمن العاصمي وزوار المهرجان الوطني للتراث والثقافة في «الجنادرية 32» أمس (الإثنين) «غريباً» لدى البعض و«مألوفاً» لدى آخرين. لن تدرج وزارة التعليم لعبة الكاراتيه في مدارس البنات، وفقاً لما قالت ل «الحياة» المديرة العامة للنشاط في الوزارة ريم أبوالحسن، لكنها استجلبت 140 طالبة من ثلاث إدارات تعليم في «الحد الجنوبي» (صبيا، وجازان، ونجران)، إضافة إلى طالبات من منطقة الرياض التعليمية لأداء اللعبة بإشراف مدربات من ذوات الخبرة الرياضية في لعبة الكاراتيه. كثير من زوار الجنادرية تابعوا الصغيرات وهن يؤدين حركات الكاراتيه برشاقة فائقة، وسط تصفيق من الحضور الذين عبروا عن ذهولهم من براعة اللاعبات، وهو تصفيق ربما لم تحصد الكثير منه مواطنتهن وجدان شهرخاني، التي قوبلت مشاركتها في أولمبياد لندن العام 2012 باستهجان بعض مواطنيها. لكن السعودية شهدت الكثير من التغييرات خلال الأعوام الأربعة الماضية، حتى أصبحت مشاركة الطالبات لاعبات الكاراتيه في الجنادرية «وضعا طبيعيا» يعيشه المجتمع السعودي في مسيرته نحو الاعتدال، بعد «ثلاثة عقود من التطرف التي فرضتها الصحوة»، والتي وعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بالقضاء عليها في كلمته خلال تدشين «نيوم مدينة المستقبل» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. يوم الخميس المقبل، ستكون العاصمة السعودية الرياض على موعد مع حفلة تعزف خلالها موسيقى الجاز على مدار ثلاثة أيام، في حدث هو الأول من نوعه في البلاد، التي لم تشهد من قبل حفلة لهذا النوع من الموسيقى، وإن كانت العاصمة وجدة والظهران استضافت حفلات للفنان العالمي ياني، وفعاليات موسيقية أخرى. لعل كل ذلك مؤشر آخر على أن السعودية مصرة على طي آخر صفحة من رحلة الصحوة. قد تبدو وتيرة التغيير التي يشهدها المجتمع السعودية متسارعة، وهو ما يثير مخاوف البعض، لكن خبير الاقتصاد والسلوك عثمان العايدي رأى فيه «تطوراً ايجابياً»، فما تعيشه البلاد في جميع المجالات «يساعدنا في حجز مقعد لنا في عالم التطور والتقدم والازدهار في عالم أصبح لا يقبل الا الأفضل والأفضل فقط». وقال العايدي ل «الحياة»: «نقدم في المملكة نموذجاً في التطور بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ونقل المملكة إلى المزيد من التطور المميز الذي يجعلها قلبا نابضا حيا نشهد هذا التطور والعالم يشهد معنا هذه النقلة النوعية من القيادة واصطفاف المجتمع مع رؤية المملكة 2030، والتطور في جميع المجالات، وتكون المملكة في مقدم الدول التي حجزت لها مقعدا في مقدم الدول التي تسعي للوصول الى حياة متطورة تتماشى مع المستقبل وتكون قطبا من اقطاب العالم الحديث»، لافتاً إلى أن هذا التغير «ليس وليد لحظة بل هو جهد سنوات طويلة أصبح المجتمع من خلال هذه النقلة متناغماً ومنسجماً معها على رغم سرعتها، وذلك نتاج التخطيط الصحيح». يذكر أن ولي العهد قال في حوار عند الإعلان عند مشروع «نيوم»: «السعودية لم تكن كذلك قبل 1979، السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 1979، لأسباب كثيرة لا مجال اليوم لذكرها، فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق». وأضاف: «نحن فقط نعود لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب»، مبيناً أن أعمار «70 في المئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، ولن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم».