«مشروع الصحوة انتشر في المنطقة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة، فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب، 70% من الشعب السعودي تحت سن ال30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم».. بهذه العبارات أرسل الأمير الشاب محمد بن سلمان رسالة للعالم أن السعودية بلد التعايش، إذ تصدرت تصريحات ولي العهد الصفحات الأولى في الصحف العالمية بامتياز، معلنا تدشين ثقافة الوسطية والتسامح والاعتدال والاعتماد على الشباب السعودي الذي اعتبرهم ولي العهد، رهانا ناجحا. لم يكن أمس الأول (الثلاثاء).. يوما عاديا في تاريخ السعودية المتجددة والمتوقدة.. ففي هذا اليوم أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رغبة المملكة في العودة إلى «الإسلام الوسطي»، وإلى ما كانت عليه الأمور قبل عام 1979، إذ يرى كثير من المراقبين أن ذلك العام كان مفصليا على صعيد التوجهات السياسية في المنطقة لما حمله من تطورات، إذ تغير شكلها ومضمونها. تصريحات أمير الشباب كانت محل اهتمام وقراءة تحليلية في مراكز صناعة القرار في عواصم غربية عدة، ومراكز الأبحاث والدراسات والإعلام الغربي، الذي اعتبر أن السعودية انتقلت إلى مرحلة مهمة في تاريخها، ووضعت وراءها إرث الصحوة المقيت، وانتقلت إلى صحوة الذكاء الاصطناعي والرقمي والتقنيات العالمية والرهان علي الشباب السعودي الذي يستطيع نقل السعودية لمعانقة السماء. إعلان ولي العهد جاء متزامنا مع إطلاق مشروع «نيوم»، ذلكم المشروع الطموح الذي يندرج في إطار رؤية 2030، وستكون نتيجته منطقة خاصة ضخمة لها هيكلتها وأنظمتها الخاصة، تحاكي مستقبل البشرية على مختلف المستويات. وتعد تصريحات ولي العهد -«اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ونحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه»-، نقلة نوعية في إطار حرص السعودية على الانتقال إلى مصاف الدول الكبرى مع التمسك بالثوابت الإسلامية. ومن ثم فإن إطلاق مشروع «نيوم» بقيمة 500 مليار دولار على امتداد يشمل كلاً من السعودية والأردن ومصر، يجيء أيضا في إطار الجهود الرامية إلى تحويل المملكة بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط باتجاه اقتصاد مفتوح ومتنوّع، هو حتما تغيير في قواعد اللعبة العالمية، وهو ما شدد عليه الأمير الشاب عندما قال: «نحن دولة تنتمي إلى مجموعة العشرين (G 20)، وواحدة من أكبر الاقتصادات العالمية، ونقع وسط ثلاث قارات.. وتغيير السعودية نحو الأفضل يعني مساعدة المنطقة وتغيير العالم، وهذا ما نحاول القيام به هنا، ونأمل أن نحصل على دعم من الجميع». وعد مراقبون تصريحات ولي العهد، الأكثر حزماً خلال برنامج الإصلاح الذي استمر ستة أشهر، والذي يشمل إصلاح الثقافة وتحفيز الاقتصاد، وترميم وتجديد معظم جوانب الحياة في المملكة، ومن الإصلاحات الاجتماعية التي شهدتها المملكة أخيراً، السماح بقيادة النساء السيارة، وحجم الإصلاحات التي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر للبلاد، ومن المؤكد أن التحول الاقتصادي يجب أن يتزامن مع تحول اجتماعي، وهو ما يرغب أمير الشباب فيه عبر تأسيس عقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة. هذه هي السعودية المتجددة التي تعتمد على الشباب باعتباره رهان ناجح.