تسللت تركيا إلى الانتفاضة السورية عبر بوابة استضافة «المؤتمر السوري للتغيير» بمدينة أنطاليا الساحلية. وقياساً لما رافق المؤتمر من انقسام المعارضة السورية حوله، يُستنتج بسهولة الاستضافة التركية، وبالتالي الظهور أمام الغرب كمحتضن لقوى التغيير السورية، عبّد الطريق أمام انقسام حاد لحركة الاحتجاج الواسعة في المدن والبلدات السورية، بخاصة الشمال حيث الكثافة الكردية على طول الحدود التركية. التسلل التركي والانقسام المحتمل لقوى التغيير تدعمهما عوامل عدة: فتزامن انعقاد المؤتمر مع تقارير غربية أن واشنطنوأنقرة توصلتا إلى «خريطة طريق» مشتركة للتعامل مع الأزمة السورية، وأن أنقرة سوف تلعب دوراً بارزاً فيها. هذا التفاهم يهدد بتحويل سورية إلى مشروع تركي سواء في حالة الاستقرار أو الانفلات. لقد كتب روبرت فيسك في «الاندبندنت» عن خطة تركية للتوغل في شمال سورية لمنع تدفق الأكراد إليها. والخطة تجعل الأكراد يفكرون مئة مرة في مغزاها قبل توسيع مشاركتهم لإسقاط النظام. وعسكرياً، ليس خافياً على المراقبين أن نزوحاً بالصورة التي ترسمها تركيا لن يحدث في المناطق الكردية، كما لم يحدث في درعا وأدلب. ولم يسبق لأكراد سورية أن نزحوا إلى تركيا حتى في انتفاضة القامشلي في 2004. والأكثر إخافة في هذه الخطة هو: هل تقوم تركيا بملاحقة تنظيمات كردية تدعم أبناء جلدتها في الجانب التركي من الحدود؟. وهل هي خطة بعيدة المدى لإقامة حزام أمني وتسويغ التوغل في الشريط الكردي السوري كما الحال في كردستان العراق؟!. وفي حال صدقت التوقعات بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الوشيكة، يفترض بأردوغان أن يطالب الأسد ب «التنحي»، جرياً على مطالبته مبارك. لكن حزبه إن لم يفز بأكثرية تخوله تشكيل الحكومة وحده، فقد يتراجع ويعاود نسج الخيوط مع النظام السوري. واختيار أنطاليا (يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري المعارض) قد يكون إشارة إلى «طريقة العودة» المحتملة. إن إمساك أنقرة بورقة التغيير في سورية يثير حساسية استثنائية لأكراد سورية الذين يمكنهم حسم نتيجة الانتفاضة بإكمال خروج مناطق الحزام البري عن سيطرة النظام، بعد التحرك القوي للمنطقة القبلية العربية في البوكمال ودير الزور. والأكراد الذين يتراوح عددهم بين مليونين إلى ثلاثة ملايين سبق أن تمسكوا بموقف أخلاقي قلّ نظيره عندما تجاوزوا المكاسب التي قدمها النظام السوري لاستمالتهم أو شراء حيادهم تجاه قمع المحتجين في درعا (البعيدة جداً والبعثية جداً في نظر الأكراد)، ودفعوا ثمن خروجهم المتكرر في المناطق الكردية باعتقالات واسعة. لقد هتف عشرات الآلاف من السوريين في «جمعة آزادي» بهذه الكلمة الكردية التي تعني الحرية. وكانت لها معان رمزية في غاية الأهمية قفزاً فوق الحساسيات الكبيرة بين عرب تلك المناطق وأكراد الجزيرة (الحسكة). وهذه الحالة التضامنية يمكن أن تشكل مدخلاً لبناء هوية وطنية سورية يتهددها دخول تركيا. وإذا كان من حق المعارضة السورية استغلال أية فرصة تدعم خيار تغيير النظام، فعليها الانتباه إلى أن لها شركاء في الداخل يمكنهم قلب المعادلة الداخلية رأساً على عقب. * كاتب سوري