ليس إثماً أن أحب الحياة وأحياها، وليس ذنباً أن أحب هذا العالم بوسعه، ولكن أليس من الحكمة أن أخذ حذري؟ فإذا كنت خائفة من انفتاحي عليه فهذا لا يعني أنني كتلة من العقد النفسية وأنني معتكفة! لا أنا لست كذلك، كل ما في الموضوع أني حذرة. الحذر ثلثا المراجل يا رجال ويا نسوان، ولذا لم يعد أي شيء في هذه الدنيا يمر عندي مرور الكرام، بل كل مرور فيه لئام وفخاخ وفخ ملفق وحذر. ولأني مغفلة والقانون لا يحمي المغفلين، فقد بت ونمت وصحوت حذرة، حتى إشارة المرور أحذر سائقي منها ولو اصفرت واخضرت واخضوضرت، واليوم أعود إليكم وفي يدي سابق تحذيري عن الإنترنت، هذه الشبكة العنكبوتية حتى مسماها عنكبوت، هذه الحبيبة الحبوبة الحيوية النشيطة السريعة لحاجة المؤسسات والأفراد وهذه الضرة وهذه العدوة اللدودة الخبيثة الماكرة، هذه الفاضحة لأسرارنا وحميمياتنا ومسائلنا العامة والخاصة جداً، علموني كيف أحذر هذا الشباب منها وأنا بدي من يحذرني؟ لا أريد لأحد أن يظن أنني أتكلم من أي منطلق سياسي، لن يجر العالم العربي إلى الهاوية إلا تسييس الناس، ولا أضيف إلى التسييس والتشويش إلا الفن الهابط، فكيف يحمي الإنسان العربي نفسه؟ أتكلم هنا تحديداً عن حماية الناس من فضائح هذه الآلة التي في علمك حين تجلس بين يديها أنها النديمة والخليلة والصديقة، ولكن مثل أصدقاء هذا الزمن، فأنت لن تدري متى تكشف عن أنيابها، ومتى تعضك! بعد أن تكون قد استودعتها عمرك وعنوانك وحالتك الشخصية وصورتك وصور عائلتك وحبيبتك إن لم نقل حبيباتك، بعدما تكون قد عرفت دخلك ومن دخل عليك وعندك وكنب غرفتك وحتى شراشف سريرك ولون قميصك. شبكة الاتصالات تفضحك، وشبكة الخدمات الاجتماعية فاضحة، وأرقام حساباتك المصرفية مكشوفة، وتوجهاتك ووجهتك وتذكرة سفرك وحلك وترحالك وتحليل دمك وحالتك الصحية والجنونية أيضاً، فماذا تفعل إذا أردت أن يبقى لك شيئاً من الخصوصية؟ أن تقفل الفيسبوك مثلاً بعدما أدمنته وتبرعت له بكل أفكارك وأحاديثك وثرثرتك التي كنت تعنيها أو لا تعنيها؟ أن تقفل بريدك الإلكتروني بعدما استودعته على تفاصيل حياتك وحيائك؟ على فكرة أنا شخصياً معقدة من إيميلي الذي أذيل به كعب هذه الزاوية وكعب العباءة وكعب الأحذية أيضاً، لا أحب التواصل لئلا ينقطع الوصل معكم، وفي الوقت نفسه أخاف من الدخلاء علي ولو كنت أحتاج وصلكم! لكن بصدق بعض الناس يكرهوك حياتك، خصوصاً برسائلهم التي تنصب عليك وأنت لا تعلم مصدرها ومرسلها وما علاقتك معها. لا أطيق هذا النوع من الإيميلات التي تأتيني من المجهول، ولو أجمعتم كلكم أني رجعية ولا أحسن التعامل مع هذه الآلة لما هز الكلام شعرة فيّ. ببساطة لأنني لا أريد لأي شيء أن يهز بدني، فكل هذه المعلومات التي نقدمها بهبل إلى الإنترنت قد تستعمل يوماً ضدنا في حين أننا أبرياء كل البراءة وكنا نتسلى فقط كما كانت تتسلى الخالات والعمات أيام زمان بالفصفص وشغل الصوف ولف ورق العنب. نظن أننا نشغل أنفسنا، لكننا في الحقيقة نضيع الوقت فأضاعنا، زد على ذلك أن هذه المعلومات التي تركتها على صفحاته قد تتسبب في حرمانك من دراسة ما أو وظيفة ما أو زواج ما أو لربما تأشيرة دخول أو أضعف الإيمان أن من يريد بك سوءاً قد يستخدمها ضدك في أي كمين ينصبه لك، فماذا تفعل؟ وهل هناك حل؟ نعم الحل الصعب يكمن كما يقول الخبراء والمختصين في فتح صفحة جديدة لتمحي ماضيك الإنترنتي، فكل نشاط قد قمت به كنت تترك وراءك معلومات عنك تكشف حتى وساوسك النفسية والجسدية والتي لن تستطيع إزالتها بتلك السهولة، والآن كل ما عليك فعله هو أن تبدأ صفحة جديدة تلغي بها الصفعة التي لن تدري متى وكيف ستتلقاها. اليوم علينا أن نأخذ الموضوع بجدية أكثر ومسؤولية أكبر لئلا يكون لأحدهم أي مأخذ عليك، يعني أن تنشئ معلومات أخرى صحيحة وقانونية وأن تكتب عبره وأنت تفكر في عواقب الأمور، بمعنى آخر أن تستعملها للضرورة لا لتمضية الوقت يا طفشان، وأن تنظف هذه الشبكة العنكبوتية من كل ما يسيء إليك، لأنك كلما نظفت سجلك العنكبوتي هذا كلما ظهرت إضافاتك الجديدة ومزاياك لكل محرك بحث، واندفعت معلوماتك القديمة التي لم تعد ترغب فيها إلى آخر الصفحات، ويا ترى كم سراً ستريد إخفاءه؟ وكم تصريحاً ستود نفيه؟ وكم صورة سترغب في شحنها إلى أرشيف الذكريات خوفاً من أي فخ ملفق أو حقيقي. هذا الإنترنت في حاجة إلى بعض من المسؤولية، إذا كنت قدها صحتين على قلبك، أما إذا كنت مثلي فسلامة قلبك وقلبي. خلف الزاوية أهواك تنكر أشواقي ومعترفا أهواك منفتحا نحوي ومعتكفا جربت بثك في ألحان أغنيتي لكن عودك ما لبى ولا عزفا ما كنت يوما على الأوهام مقبلة فكيف تتركني والهجر قد أزفا في أي معركة للحب دائرة لا لن تراني لا خصما ولا طرفا [email protected]