مثل غيره من خطوات الحُكم السوري، جاء تشكيل هيئة الحوار الوطني، ملتبساً ومرتبكاً. والأسوأ أن القرار يشي بهيمنة لغة مقفلة، دائرية، تنتهي حيث تبدأ، من الرموز والإشارات المفتقر أكثرها الى المعنى. فما اوردته وكالة «سانا» السورية الرسمية عن قرار إنشاء «هيئة تكون مهمتها وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني»، يبدو تكراراً حرفياً لصيغ إنشاء لجان التحقيق في الأحداث الأخيرة ودراسة رفع حالة الطوارئ وغيرها، حيث يمتنع على السلطة السورية اتخاذ موقف صريح من التطورات خشية الظهور بمظهر الضعف والانحناء أمام الضغوط، حتى لو كانت هذه نابعة من الشعب، مصدر السلطات في دولة عصرية. اللجوء إلى الجمل المبهمة والتراكيب اللغوية الغامضة، هو مخرج النظام من الاعتراف بعجزه عن معالجة مشكلات متزايدة الصعوبة والتعقيد. ووفق الكلام المنسوب الى الرئيس بشار الأسد، فمهمّات الهيئة الجديدة «صياغة الأسس العامة للحوار المزمع البدء به بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها في شأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، لتحقيق تحولات واسعة تساهم في توسيع المشاركة وبخاصة في ما يتعلق بقانوني الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام والمساهمة في وضع حد لواقع التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه بعض الشرائح الاجتماعية». ما من إشارة هنا الى سلطة أو طيف سلطة اتخاذ قرار في شأن ما قد يصل الحوار اليه. بل على المشاركين في الحوار «تقديم» آرائهم، من دون تحديد طريقة اختيارهم للجلوس إلى مائدة الحوار مع نظام لم يتوقف عن التنكيل بمواطنيه، لكنه لا يجد مانعاً من استدعاء بعضهم للتحاور معه فيما اقتحام البلدات والقرى واعتقال الاطفال قبل الكبار وتعذيبهم، يجري على مدار الساعة. هذا قبل وبعد تمسكه بسلطة استنسابية مطلقة في قبول او رفض اقتراحات وآراء المتحاورين، وفي التشدد برفض تعديل المادة الثامنة من الدستور التي تضع حزب البعث في موقع القائد للدولة والمجتمع. يسهل القول ان المقدمات المنطقية لتشكيل اللجنة (طالما ان القوم مولعون بالمنطق الشكلي - الصوري)، ستفضي الى الفشل. المقدمات ذاتها أحاطت بالعفو الرئاسي، الكثير الاستثناءات وحمّال التساؤلات. لكن الهيئة مثل العفو، لن يحلا الأزمة السورية، بل لن يقربا البلاد من المخرج. لقد جاءا نتاج تصور مغلق لأحوال سورية وللأسلوب الذي تُمارس السلطة فيها. وليس سراً ولا كشفاً القول ان هذين التصور والأسلوب ما عادا ينفعان أمام أزمة بالعمق الذي بلغته الأزمة السورية. ويسير الامعان في الانكار على المستوى السياسي في موازاة سعي محموم إلى التعمية الإعلامية على حقائق الواقع السوري. ولا يبالي النظام في أن منعه دخول الصحافة العربية والاجنبية المستقلة يفيد رواية المعارضة للأحداث. فالنظام يعرف تماماً ان الأدلة التي تخدم المتظاهرين اقوى كثيراً من تلك التي تصب في مصلحته. بيد انه يرى، على الأرجح، في الانفتاح امام الإعلام بداية سقوط لا قيام بعده، بفعل الغضب الذي سيقابل العالم به ما ستكشفه مقالات وصور المراسلين من أهوال نزلت بسورية. واليوم، بينما يتظاهر آلاف السوريين مطالبين بحقهم بالحرية وبالكرامة، لن يندر ان يحرم متحدثون باسم النظام المحتجين والمعتقلين والقتلى من آدميتهم وأن يردوهم إلى سويات دونية من «الحثالة»، على ما أفتى ذلك الاستاذ الجامعي المفوّه. على ان ذلك لن يؤدي سوى الى تسريع التغيير ونهاية فترة الإصلاحات الأغرب في العالم.