«الى الخلف در!» لم تعد مجرد شكوك، وتعدت مرحلة الهواجس، وقطع الشك باليقين، واتضح تماماً أن قطار حقوق المرأة المصرية يتراجع بسرعة. وهو لم يكتفِ بتراجعه بالتوقف في محطات سابقة، من مطالبات واضحة وصريحة بتقلّد مناصب مهمة مثل القضاء، أو ضمان حقوق الزوجة بعد الطلاق، لكنه يعود بسرعة صارخة تُنذر بعدم توقفه إلّا بعد وصوله الى نقطة انطلاقه الأولى، أي نقطة الصفر! تخوفات البعض من التغاضي عن أو تجاهل أو تعمد تهميش المرأة في مرحلة ما بعد الثورة، تحوّلت من الشك إلى اليقين. هو اليقين الذي سرق النوم من أعين الكثيرين، إمّا غبطة وسروراً لقرب عودة المرأة إلى حظيرة الرجل، وإما غضباً وحزناً على جهود سنوات طويلة مضت من الكفاح والجهاد في سبيل ضمان إنسانية هذا الكائن الذي أثبت أنه أكثر حلقات الصراعات والأزمات ضعفاً. فبعد أيام من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، شهدت القاهرة اعتصامات واحتجاجات «رجال الرؤية» المطالبين بضرورة مراجعة جميع قوانين الأسرة والطفل التي أنصفت المرأة المطلقة، وحلّ محاكم الأسرة التي أعادت للزوجة بعضاً من كرامتها المهانة في طرقات المحاكم العادية، ومطالبتها بمعاقبة الأم التي ترفض تنفيذ حكم «استشافة الأبناء» بعقوبة رادعة، حتى لو رأت في هذه الاستضافة ضرراً بأطفالها، وعودة الولاية التعليمية حتى وإن كان يدعي الفقر في سبيل إخراج الأبناء من مدارسهم الخاصة وإلحاقهم بمدارس حكومية كنوع من الإذلال للأم، وتغيير سنّ الحضانة ليصبح الطفل في حضانة أبيه في حال زواج الأم أو وفاتها، حتى وإن كان الزوج تزوج بأخرى تسيء معاملة الصغار. ووقت تشكلت لجنة التعديلات الدستورية، خرجت اللجنة ذكورية بحتة خالية من أية مشاركة نسائية، وهو ما دعا منظمة العفو الدولية حينئذ إلى القول أنه على رغم التمييز وعدم المساواة على مدى عقود من الزمن، فإن النساء يُحرمن من القيام بدورهن في بناء مصر الجديدة، إذ يجرى إقصاؤهن من قبل حكومة تصريف الأعمال والمجتمع الدولي على السواء، وتألفت اللجنة التي شُكّلت من أجل صوغ الدستور المصري الجديد من رجال فقط، ولم تضم في صفوفها أية امرأة. ومرّت الأيام، وأخذت الأحزاب تتشكل، والائتلافات تتكون، والجماعات تتآلف وتفترق، وكل ما يطالعه المصريون مجرّد أسماء وصور لرجال، ثم رجال ومعهم رجال. ائتلاف شباب الثورة، حزب المصريين الأحرار، حزب العدل، حزب الحرية والكرامة... إلى آخر القائمة، إضافة إلى التجمعات التي تهدف إلى وضع استراتيجية عامة لمستقبل مصر مثل «التيار الرئيسي لمصر» و «لجنة الحوار الوطني» و «لجنة الوفاق القومي» وغيرها يسيطر عليها الرجال، باستثناء بعض الأسماء والوجوه النسائية القليلة جداً. حتى منظرو الثورة من خبراء سياسة وعلماء اجتماع ومختصي علم نفس وغيرهم ممن يطلون على ملايين المصريين المتجمهرين أمام شاشات «التوك شو» ليلاً، فإن الغالبية المطلقة منهم من الرجال. وتقتصر الوجوه النسائية على الشاشات على أمهات الشهداء، أو مساعدات قادة الأحزاب والهيئات، أو الصحافيات اللواتي تتم الاستعانة بهن بغرض تجميل الصورة على الشاشة ليصبح المشهد كامل الأوصاف. إلا أن المشهد على أرض الواقع أبعد ما يكون عن الكمال! فقد خرج قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل أيام لينصّ، ضمن ما نص عليه، على إلغاء «كوتا» المرأة التي لم يقدر لها أن ترى النور بعد سقوط النظام. نائب وزير الدفاع للشؤون القانونية وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء ممدوح شاهين قال في مؤتمر صحافي إن «كوتا المرأة» ليس مجاله قانون مباشرة الحقوق السياسية، ولكن قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى. وأوضح أن الأخذ بالنظام المختلط في الانتخابات يلغي وجود الكوتا، وذلك عكس الحال في ظلّ النظام الفردي الذي يسمح بها. لكن تظلّ النتيجة واحدة، وهي عدم وجود تخصيص للمرأة باعتبارها «مستجدة» في المشاركة السياسية الفعلية كمرشحة ونائب. وإذا أُضيف إلى ذلك ظهور التيارات الدينية التي تعارض مشاركة المرأة في شكل جلي، وذلك استناداً الى تفسيرات دينية لم يكن يسمح لها بالتعبير عنها على الملأ في ظلّ النظام السابق، تكون المرأة ضمنت لنفسها مقعداً وثيراً في بيتها في الانتخابات البرلمانية الموشكة. وإحقاقاً للحق، فقد تخلت المرأة عن هذا المقعد «الوثير» الموعودة به في شكل مكثف في أعقاب الثورة، وتبوأت مكان الصدارة في الأحداث، وتحديداً أحداث الفتنة الطائفية، بدءاً من «عايز أختي كاميليا» ومروراً ب«أين أختي وفاء؟» وانتهاء ب «فكوا أسر أختي عبير!»... أسئلة وشكوك عدة تدور حالياً حول دور المرأة المصرية ومصير حقوقها، سواء تلك التي تم انتزاعها بشقّ النفس أم تلك التي كانت تنوي العمل على استرجاعها. «الربيع العربي» الذي بزغ في تونس وتألق في مصر مهدّد بالقفز إلى خريف «مبتسر» متجاهلاً الصيف ومتحدياً قانون الطبيعة وآمال المرأة المصرية التي تكره الخريف شأنها شأن كل نساء العالم!