مسألة قيادة المرأة السيارة بسيطة، ويجب ألا تستنزف طاقاتنا أكثر من ذلك، ولابد من استثمار المجهود والأفكار في حل قضايا حقيقية تعاني منها المرأة كمشكلات الطلاق، والنفقة، والحضانة، والإسكان وعمل المرأة، وغيرها، ولذا خرجت أصوات نسائية معارضة للقضية لتقول هذه ليست من أولوياتنا، ولا مطالبنا، فنحن لا نريد أن نقود السيارة لأنها رفاهية وموضوع يثير البلبلة ولدينا ما هو أهم! قد لا تكون مسألة القيادة من الأولويات ويختلف عليها البعض، لكنها تعكس حقيقة المشكلة الاجتماعية التي تعاني منها المرأة في كل قضاياها الأخرى. فعندما ننظر لأسباب رفض قيادة المرأة السيارة، نجد أنها تنحصر في أمور تتعلق بأخلاقيات المرأة كالخروج من دون محرم، والتعرض للتحرش والمعاكسات، والتسبب في الإغواء وإثارة الفتن، والسفر من دون محرم، والاختلاط، وغيره. أمور يمكن أن تحدث للكثيرات من النساء اللواتي يستخدمن سيارات الأجرة، أو اللواتي يركبن مع السائق، أو يسرن على الأقدام. تساءلت صديقة مطلقة لها طفلان وتعيش بلا ولي أمر: «أنا أخرج أمشي في منتصف الليل على قدمي إذا مرض ابني لأشتري دواءه، أو إذا كنت في حاجة ملحة للخروج، فما الفرق بين المشي على الأقدام، والمشي بسيارتي المركونة لشهور طويلة يغطيها التراب لعدم وجود ذكر يقودها؟ فلو وجد المتحرش من المؤكد أنني سأكون أكثر أماناً داخل السيارة المغلقة». سؤال وجيه! ويدخل ضمن مجموعة المتناقضات الكثيرة التي تعيشها المرأة والمنطق الذي يحكم به على قضاياها، فكل التبريرات التي تمنع هي اعتقادات وتصورات لما سيحدث بعد ذلك، وهذه الرؤية تنبع من الثقافة الذكورية التي تتعامل مع المرأة من منطلق سلطوي فارض التقييد المطلق على وجودها، وغير معترف بإنسانيتها الكاملة بعيداً من جنسها. تعكس طبيعة النظر للمرأة على أنها مخلوق وجوده يخدم الذكر، إما من خلال المتعة الجسدية، أو المتعة التي توفرها له بإنجاب الأبناء والقيام على متطلباته، وترجع هذه الرؤية للعادات والأعراف، وترتبط بمسألة العرض والشرف بشكل مباشر، وهو ما يشكل «فوبيا» من المرأة، خصوصاً في مجتمع يوصف بالمحافظ، هذه الفوبيا تبتعد عما جاء به الإسلام بمساواة بين المرأة والرجل في الخلق والجزاء والعقاب والحقوق والواجبات. ولقد كانت ردود الأفعال المتشددة التي هاجمت «منال الشريف» عند خروجها للقيادة، ووصفتها بالفسق، والنفاق، والتغريب، وطالبت بجلدها لأنها قادت السيارة، مؤشراً على تسلط الفكر الذكوري المرتبط بالعرف، والذي تجاهل كل ما لها من إنجازات وتفوق علمي واجتماعي وحصرها في امرأة تكسر العرف، وتحرض على الانحلال. فقضية المرأة بتفاصيلها وأي أمر يمكن أن يخرجها من عباءة السلطة الذكورية يشكل تهديداً لأخلاق وشرف هذه السلطة التي تفضل تحديد أدوارها لغلق باب أي شبهات، ولكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد لأنها تؤثر بشكل سلبي على شخصية وكيان هذه المرأة التي تنشأ محاطة بالتشكيك، وعدم الثقة، والتمييز، وتعوقها عن تحقيق ذاتها المستقلة عن الرجل، والقيام بدورها كشريك أساسي داخل المجتمع، ما يضعف ثقتها بنفسها فيصبح الرجل محوراً لحياتها، تتبعه، وتبحث عنه، بدلاً من أن يكون مكملاً وشريكاً لها. فقضية القيادة ليست بسيطة، لأن السيارة هي وسيلة المواصلات التي تُمكن الإنسان من الحركة والتنقل، وبالتالي لا بد أن تتمكن المرأة من استخدامها، فهي قضية حقوق في المقام الأول، وهذا ما يجب أن يُتفق عليه ثم توجد الحلول لأي عقبات وأعباء حقيقية قد تخلقها هذه القضية، وحتى تصبح «كل الحكاية إننا راح نسوق»، كما اعتقدت منال الشريف! [email protected]