أعلنت مدن عدة في الجنوب الفرنسي، في مقدمها مرسيليا، إطلاق تظاهرة ثقافية بعنوان «أيّ حب»، ستبدأ في 14 شباط (فبراير) الجاري وتستمر لمدة سبعة أشهر، وتأتي بعد خمس سنوات على إعلان مرسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية وتبدُّل الكثير من معالم المدينة التي بنت صروحاً ومنشآت جديدة تؤهلها لكي تستقبل ذلك الحدث. أكثر من ذلك، انفتحت مرسيليا يومها على بعد عالمي غير مسبوق لها. تظاهرة «أي حب» دعوة طموحة إلى الحب بمعناه العام: حب المكان وخصوصيته وما ينتج عنه وعلاقة البشر به، وحب الثقافة بما هي نافذة على التقدم والتطور وأداة أساسية للتواصل والحوار بين مختلف الناس المقيمين في المكان ذاته، وبين هؤلاء والعالم من حولهم. من مرسيليا، الشاطئ المطلّ على المتوسط، ومدينة المهاجرين ومنهم اللبنانيون والقادمون من شمال إفريقيا، إلى مدينة آرل المعروفة بمهرجاناتها التي تحتفي سنوياً بالمسرح والفنون والصورة الفوتوغرافية، وهي أيضاً المدينة التي طبعها باسمه الفنان فنسنت فان غوغ وأصبح جزءاً من ذاكرتها وتراثها... من مرسيليا إلى آرل، مروراً بمدينة إيكس آن بروفانس وحواضرها الثقافية وجمالات ساحاتها ونوافيرها العتيقة، ترتسم الطريق التي أطلقتها هذه التظاهرة الأولى من نوعها في فرنسا، بل هي على نحو ما طريق حرير صغيرة لا ينقل عابروها الأقمشة والتوابل والأواني المتنوعة، وإنما هاجسهم الأول هو نقل الثقافة وتداولها وجعلها عملة رائجة وحاجة أولية كالخبز والماء، وذلك كله في إطار دعوة إلى التلاقي وإلى هذا النوع من الحب الذي معه يبدأ كل حب. المشروع متنوع، وتأتي برمجته على مستوى التحدي وسيشكل تجربة نموذجية تُحتذى في مناطق وبلدان ودول عدة أخرى طالما أن ثمة رهاناً يزداد الالتفات إليه وهو الاهتمام بالثقافة في مواجهة نزعات العنف والتطرف والتعصب المتفشية أكثر فأكثر في العالم. تشتمل التظاهرة على نشاطات كثيرة تتمحور على الأدب والفن والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والمسرح والأوبرا، بالإضافة الى فنون الطبخ والسيرك. أكثر من مئتي حدث يشارك فيها أكثر من مئتي فنان وفنانة وكاتب وكاتبة ومنهم من يتمتع بشهرة كبيرة. هناك أيضاً مشاركة لمبدعين من أصول عربية وأفريقية، منهم الموسيقي زاد ملتقى والراقص نسيم بطو والكاتب عمر با والموسيقي مالك زياد. ومن المعارض المهمة التي تنظمها مرسيليا معرض في متحف «موسم» حول قصص الحب المصورة التي كانت تصدرها ولا تزال بعض المجلات الإيطالية والفرنسية، وقد لاقت رواجاً كبيراً في الدول المتوسطية منذ مرحلة الخمسينات من القرن الماضي لأنها روت من خلال الصور الفوتوغرافية حكايات العشاق ولقاءاتهم عبر الأحداث المتسلسلة، واعتمدت أحياناً على ممثلين معروفين يؤدون أدوار العشاق. من مرسيليا إلى إيكس آن بروفانس التي ستقدّم فيها، خلال مهرجانها العالمي المخصص للموسيقى، أوبرا بعنوان «أورفيوس ومجنون» وهي مستوحاة من قصة الحب الشهيرة التي جمعت بين ليلى ومجنون من جهة وأورفيوس وأوريدس من جهة ثانية. وليس هذا بجديد على هذا المهرجان الذي يعد من أقدم المهرجانات الموسيقية في فرنسا، وهو معروف بانفتاحه على العالم وفنون الشرق والغرب ومنها المتوسط. وكان مدير المهرجان برنار فوكرول، عند لقائنا به، قد حدثنا عن متابعته نشاط المبدعين العرب وعن إعجابه بالشاعر محمود درويش. وهو أخبرنا أن المهرجان يشهد باستمرار مشاركة عربية كما حصل الصيف الماضي مع أمسية الموسيقي الفلسطيني منعم عدوان وعام 2015 مع المخرج نبيل الأظن عندما قدم كعرض أوّل احتفالية «إلك بعلبك» مع مجموعة من الكتّاب والموسيقيين اللبنانيين.