ثمة تساؤلات عدّة دارت في أذهان المصريين في عامي 2015 و2016 الماضيين، بخصوص الدافع لتحديث منظومة مختلف الأسلحة الرئيسية في الجيش، الأمر الذي كبد موازنة الدولة المُرهقة أساساً تكاليف باهظة، في ظل إجراءات اقتصادية عاناها الجميع حتى الطبقات الميسورة. في تلك الآونة، طُرحت أسئلة كثيرة، مثل لماذا تسعى دولة إلى امتلاك حاملتي طائرات وغواصات بحرية، فيما حكومتها تتفاوض لاقتراض بلايين الدولارات من صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية أخرى؟ لكن الإجابة عن السؤال تكشّفت لاحقاً، إذ لم يكن في مقدور مصر تأمين مصالح اقتصادية تترقبها السلطة في الأفق القريب من دون تحديث المنظومة العسكرية للجيش، خصوصاً القوات البحرية. وانشغلت الساحة المصرية في اليومين الماضيين بسجال مع تركيا بخصوص اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الذي أبرم عام 2013، وسمح لمصر باستخراج الغاز الطبيعي من حقل «ظهر» على بعد 200 كيلومتر قبالة سواحل المتوسط. وقالت تركيا إنها لا تعترف بالاتفاق، وردت مصر بأنه لا يمكن أي طرف أن ينازع في قانونيته، وأنها ستتصدى لأي محاولة للمس بمصالحها. وقالت مصادر مصرية موثوقة ل «الحياة»، إن قوات الجيش «عززت من تأمين المنطقة الاقتصادية قبالة سواحل المتوسط بعد «استفزاز» تعرضت له القوات في تلك المنطقة قبل شهور وتصدت لها». وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قال الشهر الماضي إن «الجيش يقوم بتأمين حقول الغاز في المتوسط. وسأل: «هل كان يُمكن أن يأتي أحد ليستفزنا لو لم نمتلك القدرة على المواجهة؟». ورد: «أقول نعم»، ثم سأل: «هل حاول أحد استفزازنا؟.. نعم، لكن كنا موجودين بكامل قواتنا». وأوضحت المصادر ل «الحياة» أن تطوير القوات البحرية كان ضرورياً قبل البدء في الإعلان عن اكتشافات الغاز في المتوسط، وزادت: «لم تكن أي شركة عالمية للتنقيب لتأتي، قبل التأكد من تأمين الاكتشافات، حتى لا تضع استثماراتها في مهب الريح». وحدّثت مصر في الشهور الأخيرة من العام الماضي قاعدة الإسكندرية البحرية. وأجرت مناورة «ذات الصواري» البحرية التي سُمح للمرة الأولى لوسائل الإعلام الأجنبية بحضورها، وتضمنت تمريناً على «تأمين هدف حيوي في البحر ورمي مدفعية على هدف سطحي». وامتلكت مصر في العامين الماضيين حاملتي مروحيات فرنسيتين من طراز «ميسترال» وفرقاطة فرنسية من طراز «فريم» وفرقاطة أخرى من طراز «غوويند» وزورق صواريخ روسي من طراز «مولينيا»، وغواصتين ألمانيتين. كما تعاقدت على شراء غواصتين أخريين من المقرر تسلمهما قبل 2020. وأعادت القاهرة تنظيم قواتها البحرية في أسطولين، شمالي وجنوبي، «لزيادة فاعلية القيادة والسيطرة»، وفق ما أفادت مصادر ل «الحياة»، أوضحت أن امتلاك الأسلحة تطلّب «تحديث وتطوير البنية التحتية» للقوات البحرية، إذ وسّعت المنشآت والأرصفة وطُوّرت الورش، خصوصاً في قطاعي رأس التين وأبي قير، في الإسكندرية قبالة سواحل المتوسط. وأضافت المصادر أن «وصول قوات البحرية إلى مسافة 200 كيلومتر قبالة الشواطئ، كان يستدعي الحصول على تلك الأسلحة والمعدات، وتطوير البنية التحتية لسلاح البحر في شكل جذري، ما يسمح بسرعة الوصول إلى حقول الغاز في المنطقة الاقتصادية، خصوصاً في ظل التجاذبات الإقليمية». وافتتحت مصر أواخر العام الماضي، أول قاعدة عسكرية متكاملة في مرسى مطروح المُطلة على البحر المتوسط، تضم تشكيلات من جميع الأفرع الرئيسية والفرعية في القوات المُسلحة، ولوحظ أن التطوير الذي طاول القوات البحرية شمل في شكل أساس الأسطول الشمالي، ما يشير إلى أولوية تأمين الأهداف الاقتصادية في البحر المتوسط.