يعرف زائر القاهرة أو المتنزه فيها، أن ليله لن يكتمل إلا بنزهة على كورنيش النيل، ولو قصيرة. وكذلك، يعرف «المراكبي» أحمد طه كيف يجتذب زبائنه على ضفتي النهر الأزرق الذي يخلو هذه الأيام إلا من رواد قليلين. يشكو طه قلّة الزبائن الراغبين في رحلة على مركبه، مقارنة مع الموسم الماضي، إذ كان يجني ما بين 12 و13 دولاراً يومياً. أما الآن فهو يجني، في أحسن الأحوال، ما بين خمسة وستة دولارات. لكنه ينتظر نهاية الأسبوع بفارغ الصبر، إذ «تنشط الحركة لأن الناس في عطلة وتحتاج إلى هواء نظيف». ويضيف: «الناس الآن لا تسعى إلى النزهة بقدر ما تفكر في ما حدث وفي مستقبل البلاد، فحتى في أيام العطل، قد لا أجني أكثر من ثمانية أو تسعة دولارات». وينتشر على كورنيش النيل مئات الباعة لمأكولات ومشروبات شعبية، وعشرات عمال المراكب وسائقي الحناطير، وهي مهن احترفها هؤلاء منذ زمن بعيد. ويوضح المراكبي سيد عبدالمعبود، منافس طه في المهنة، «أن الرحلات النيلية تسيّر حسب الأعداد، فالمجموعة التي تتكون من 30 شخصاً، تكلف ساعة نزهتها الواحدة على ضفة نهر النيل 20 دولاراً». ويشرح عبدالمعبود كيف يصعب تحقيق هذا العدد: «بالكاد يجتمع 20 شخصاً ويدفعون 10 إلى 11 دولاراً». ويضع طه وعبدالمعبود حدوداً للمنافسة بينهما. فإذا كان الزبون في منطقة نفوذ أحدهما، لا يصح أن يدعوه الآخر لنزهة على مركبه. ويتفقان على أن معظم أرباحهم كانت تأتي من السياح العرب الذين اختفوا تماماً و»ذهبوا وذهبت أيامهم»، كما يقول طه. أما الحاج محمد عبده، وهو سائق حنطور منذ 30 سنة، فيبدأ بالشكوى ولا ينتهي، مفيداً بأنه لم يجن منذ ثلاثة أيام قوت أولاده. ويقول: «أجني خمسة دولارات في اليوم، أنفقها على طعام الحصان وحده». الحاج عبده (62 سنة)، المعروف بين زملاء مهنته ب»أبو حظ»، يستند على عكازين خشبيين، يحلم بسد رمق أبنائه الستة أكثر مما يحلم بسد رمق حصانه الواهن. ويترحّم على أيام كان يجني فيها ما بين 32 إلى 35 دولاراً يومياً: «طلبت علاجاً وسكناً ومعاشاً من الدولة لكن لا أحد ردّ عليّ حتى اللحظة». ويؤكد أن «السياح العرب كانوا يحرصون على القيام بنزهة خاصة على كورنيش النيل، يستقلون حنطوري وأرفع أعلام بلادهم فوق العربة، وكلفة الرحلة دولاران إلى ثلاثة دولارات، لكنهم لم يعودوا لزيارة بلادنا في هذه الأيام الصعبة». من جهة ثانية، يبدو أن السياحة الداخلية قد تخفف بعضاً من آثار الأزمة على «المراكبية» وسائقي الحناطير، وإن كانت لا تعد بالأرباح ذاتها. فيقول المحاسب شريف حسين، الذي يجلس لأكل كوب من حمّص الشام، برفقة خطيبته مها، إن منظر النيل يريح نفسه، وهواؤه ينسيه حرارة الصيف، وهو يتوقع إقبالاً على النزهات النيلية مع ازدياد الحرّ، لأنه المهرب الوحيد للجميع. وتتفق معه الحاجة فتحية عطا الله، التي عادة ما تصطحب أحفادها في نزهات نيلية، مؤكدة أن «ملامسة مياه النيل هي أجمل متعة في الدنيا».