رغم التحضيرات الكبيرة، السياسية والفنية، التي يجريها الفلسطينيون لما بات يعرف محلياً ب «إستحقاق أيلول»، إلا أنهم ليسوا واثقين تماماً من قدرتهم على الوصول الى ذلك الاستحقاق المتمثل في الحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967. وظهر مصطلح «إستحقاق أيلول»، في مراحله الاولى، في السياسة الفلسطينية الداخلية حين أعلنت الحكومة الفلسطينية خطة لمدة عامين لإقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة تنتهي في آب (أغسطس) ومطلع أيلول (سبتمبر) المقبلين. ثم ظهر في السياسة الدولية حين أعلن الرئيس باراك أوباما في خطاب له أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في أيلول (سبتمبر) العام الماضي أنه يأمل في أن تنضم دولة جديدة اسمها فلسطين الى الأممالمتحدة في دورتها المقبلة في الشهر نفسه من العام المقبل. وكرست اللجنة الرباعية الدولية هذا الاستحقاق عندما دعت الجانبين الى مفاوضات مدتها عام تنتهي في الموعد المذكور بإقامة دولة فلسطين. كما تعزز الاستحقاق بعد صدور شهادات دولية أخيراً في شأن قدرة الفلسطينيين على إدارة دولتهم، ومنها شهادة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأممالمتحدة بالإنجازات التي حققتها السلطة الفلسطينية على صعيد بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، معتبرة أن الفلسطينيين أصبحوا قادرين على حكم أنفسهم، وان العقبة الوحيدة هي الإحتلال الإسرائيلي. وبدا واضحاً للفلسطينيين أن المفاوضات مع حكومة اليمين في إسرائيل لن تقود الى اتفاق يسمح بإقامة دولة مستقلة في الموعد المذكور فبدأوا بالتحضير للجوء الى الأممالمتحدة. وشملت التحضيرات القيام بحملة للحصول على اعترافات عدد من الدول الجديدة، ورفع مستوى التمثيل الديبلوماسي في عدد من الدول الاخرى، خصوصاً الاوروبية، وإجراء إتصالات مع عدد كبير من قادة الدول وممثليها في الأممالمتحدة إستعداداً لهذا الغرض. وشارك في الحملة كل من الرئيس محمود عباس ووزير خارجيته الدكتور رياض المالكي ووزير الخارجية السابق الدكتور نبيل شعث ورئيس الوفد المفاوض الدكتور صائب عريقات وممثل فلسطين في الاممالمتحدة الدكتور رياض منصور. وزار عباس بنفسه عشرات الدول في أميركا اللاتينية وأفريقيا والكاريبي لهذه الغرض، وتوجت زياراته لعدد من تلك الدول، خصوصا في اميركا اللاتينية بالاعلان عن اعترافها بدولة فلسطين، فيما اعلنت دول اخرى رفع التمثيل الديبلوماسي الفلسطيني الى مستوى بعثة ديبلوماسية مثل فرنسا واسبانيا وايطاليا. وحسب وزير الخارجية، فإن عدد الدول التي تعترف بفلسطين الآن بلغت 112 دولة، مضيفا وممثل فلسطين في الأممالمتحدة رياض منصور ان فلسطين ستكون في حاجة الى عشرة دول أخرى ليصل عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين الى 128 دولة من أصل الدول الاعضاء في الجمعية العامة (192 دولة). لكن آراء سياسية وقانونية دولية شككت اخيراً في قدرة الفلسطينيين على الوصول الى الجمعية العامة للامم المتحدة للمطالبة بالاعتراف. ويقول الفلسطينييون انهم سيتقدمون بطلب الحصول على الاعتراف الى مجلس الامن، وفي حال قوبل هذا الطلب ب «الفيتو» الاميركي كما هو متوقع، فإنهم سيتوجهون الى الجمعية العامة تحت بند «متحدون من أجل السلام». لكن بعض الآراء السياسية يرى أن الفلسطينيين لن يستطيعوا حمل طلبهم الى الجمعية العامة من دون الحصول على موافقة مجلس الامن. في هذا الصدد، أعلن الرئيس الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة السويسري جوزيف ديس أمس أن الفلسطينيين ليس في إمكانهم تجاوز مجلس الامن إذا حاولوا الانضمام الى الاممالمتحدة كدولة مستقلة. لكنه أكد في الوقت ذاته أن استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض لن يقضي على محاولة الحصول على الاعتراف بالدولة والعضوية الكاملة للأمم المتحدة. وقال في رده على سؤال هل هناك سبيل لحصول الفلسطينيين على عضوية الاممالمتحدة إذا رفضت الولاياتالمتحدة ذلك: «لا»، لكنه استدرك ان الامر لن ينتهي على هذا الحال، وقال: «هناك عدد كبير من الدول الاعضاء يعترف بدولة فلسطين، اضافة الى قرارنا (الجمعية العامة) عام 1947 الذي قال ايضا بوجوب وجود دولة عربية او دولة فلسطينية، هذه عناصر يجب ان تأخذوها في الاعتبار». واضاف: «الامر متروك للدول الاعضاء كي تتخذ هذا القرار والقواعد معروفة». ويقول ديبلوماسيون في الأممالمتحدة ان دول الاتحاد الاوروبي تبدو أكثر ميلاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يرجع بشكل كبير الى خيبة أملهم في حكومة نتانياهو وما يعتبرونه تشبثاً بسياسة الاستيطان وغيره من المواضيع التي تعيق عملية السلام. واعتبر بعض الديبلوماسيين في الاممالمتحدة ان بإمكان الفلسطينيين ببساطة تفادي مسألة عضوية الاممالمتحدة في أيلول (سبتمبر) مع دعوة الجمعية العامة الى إصدار قرار غير ملزم يعرب عن الدعم السياسي لفكرة الدولة الفلسطينية. ويرجح بعض كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، ومنهم السياسي المخضرم الدكتور نبيل شعث، ان يواجه الفلسطينيون مقاومة شديدة في المؤسسة الدولية من جانب الادارة الامريكية، مشيراً الى أن الرئيس باراك اوباما سيجد نفسه مضطراً لمعارضة هذه الخطوة بضغط من الكونغرس الذي أظهر خطاب نتانياهو الاخير أمامه، أنه في يد اللوبي اليهودي.