توقع خبير اقتصادي أن تحقق السعودية فائضاً كبيراً في ميزان الحساب الجاري خلال العام الحالي، بدعم من نمو الصادرات السعودية وارتفاع أسعارالطاقة، ورجح نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلّي للسعودية إلى 5,5 في المئة، وإنفاق 842,4 بليون ريال، بنمو نسبته 34,5 في المئة. وأوضح المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك السعودي الفرنسي تركي بن عبدالعزيز الحقيل ل «الحياة»، أنه من المتوقع أن يبلغ الفائض في ميزان الحساب الجاري السعودي خلال العام الحالي 305 ملايين ريال، ليتجاوز بذلك المستوى المرتفع الذي سُجّل في العام الماضي وقدره 260,9 بليون ريال، لكنّ فائض الحساب الجاري قد ينخفض في عام 2012، إلى 208,91 بليون ريال، لأنّ معدّل نمو الواردات سيرتفع لتلبية الطلب المحلي المتزايد على السلع الاستهلاكية، ولمواكبة الإنفاق المتعاظم على مشروعات الإسكان والبنية التحتيّة. وقال إن الإحصاء السنوي للصادرات غير النفطية في كانون الثاني (يناير) أفاد بنموها بنسبة 23,3 في المئة، بينما نمت الواردات بنسبة 10,8 في المئة، ولم يتغيّر الحجم الكلي للصادرات التي شُحنت عبر الموانئ السعودية مقارنة بمستويات يناير 2010، وكان أقلّ بقليل من المستويات التي سُجّلت بين تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي. أما تدفّق الواردات عبر موانئ البلاد، فقد نما بمعدّل سنوي قدره 7,7 في المئة، مع أنّ معدّلات نموّه الشهري لم تتغيّر عملياً منذ تشرين الثاتي (نوفمبر). وأضاف الحقيل أن «أحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسهمت في رفع أسعار النفط، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، ارتفع متوسط سعر الخامّ الأميركي إلى 93,89 دولار للبرميل، بينما ارتفع متوسط سعر مزيج برنت إلى 104,68 دولار للبرميل، مقارنة ب 85,2 و87,3 دولار على التوالي، خلال الربع الأخير من العام الماضي». وأكد أن «عدم الاستقرار السياسي في المنطقة فرضَ ضغوطاً كبيرة على أسعار النفط خلال العام الحالي، وفي آذار (مارس)، بلغ متوسط سعر مزيج غرب تكساس 102,3 دولار للبرميل مقارنة ب90,8 دولار في الشهر السابق، بينما ارتفع سعر مزيج برينت إلى 114,5 دولاراً للبرميل مقارنة ب 103,3 دولار في شباط (فبراير)، علماً أنّ المتوسط السنوي لسعر مزيج برنت في عام 2010، بلغ 80,3 دولار للبرميل. وأشار الحقيل أنه «على خلفية الإنفاق العام الجديد، راجعنا توقّعاتنا المالية بهدف إبراز الأعباء المالية الإضافية التي ستتحملها الموازنة السعودية والزيادة المحتملة في إيراداتها نتيجةً لارتفاع أسعار النفط، ونعتقد حالياً أنّ السعودية ستُنفق 842,4 بليون ريال خلال 2011، ما يعني أنّ إنفاقها سيزداد بنسبة كبيرة قدرها 34,5 في المئة من مستواه في العام الماضي. وفي هذه الحالة، ستتجاوز السعودية موازنتها العامّة المعلنة والبالغة 580 بليون ريال بنسبة 45 في المئة». وتابع: «وطبقاً لتقديراتنا، سيذهب حوالى 66 في المئة من إجمالي اعتمادات عام 2011، لتغطية الإنفاق الجاري، الذي يشتمل على الرواتب والمساعدات المالية ومعونات البطالة وسواها. وسيذهب ثلث إجمالي هذه الاعتمادات لتغطية إنفاق رأس المال، لأنّ السعودية تُنفّذ مشاريع ضخمة لمواصلة تطوير البنية التحتيّة وتوفير مساكن جديدة». ورجح الخبير الاقتصادي أن تمتد آثار برامج الإنفاق الأخيرة إلى العام المقبل، ونتوقع أن تسجّل السعودية فائضاً مالياً قدره 60,3 بليون ريال في عام 2012، أيْ ما يعادل 2,8 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي. وزاد الحقيل: «لا تزال التوقعات المالية المتوسطة المدى إيجابيةً لأنّ عائدات النفط ستظلّ قوية، ولأنّ قيمة الأصول الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي ستواصل ارتفاعها. وبالتالي لن تواجه السعودية صعوبات تُذكر في تمويل إجراءات الأوامر الملكية بفضل عائدات النفط القويّة وإمكان الاعتماد على الأصول الخارجية خلال السنوات القليلة القادمة». وبين أن وزارة المالية السعودية أشارت إلى أنّ الإجراءات الجديدة ستُموَّل من خزينة الدولة، وليس من الأصول الخارجية. أما على المدى البعيد، فإنّ ارتفاع الإنفاق الجاري الناجم عن زيادة عدد موظفي القطاع العام ورواتبهم سيجعل السعودية أكثر تأثّراً بتقلّبات أسعار النفط. وذكر الحقيل أن «سعر النفط اللازم لموازنة 2011، ارتفع بشكل حادّ إلى نحو 80 دولاراً لبرميل الخامّ السعودي (84 دولاراً لبرميل مزيج غرب تكساس)، بعدما بلغ نصف هذا المستوى في عام 2006. وقد ينخفض سعر النفط اللازم لموازنة العام المقبل إلى نحو 77 دولاراً لبرميل الخامّ السعودي (81,5 دولاراً لبرميل مزيج غرب تكساس)، لكنّ الارتفاع الكبير في سعر النفط اللازم لإحداث توازن في الموازنة يؤكّد على المخاطر البعيدة المدى للنمو المتسارع لحجم الإنفاق الجاري، الذي يشتمل على الرواتب التي يَصعُب خفضها إن تراجعت أسعار النفط في المستقبل. وأضاف أنه «مع أنّ مؤسسة النقد العربي السعودي تتمتع باحتياط ضخم من الأصول الخارجية يُمكّنها من تغطية أيّ عجز في الموازنة خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا أنّه ينبغي على الحكومة السعودية أنْ تُدرك مدى الحاجة إلى الحكمة والاعتماد الكبير على القطاع الخاصّ في خلق فرص العمل والاستثمار في الاقتصاد، إذ يمثّل المواطنون السعوديون حالياً 10 في المئة فقط من القوّة العاملة في القطاع الخاصّ، وما لم تتحسن امتيازات القطاع الخاص، فإنّ المواطنين سيواصلون تفضيل العمل في القطاع العام». ولفت الحقيل إلى أنه في الوقت ذاته، استمرّت التوقّعات الإيجابية حول نمو الطلب العالمي على النفط ومعدلات النمو الاقتصادي في الهند والصين، التي يُتوقع أن ينمو طلبها على النفط بنسبة 5,7 في المئة في العام الجاري بعدما نما بنسبة 8,4 في المئة في عام 2010، طبقاً لتقديرات أوبك الأخيرة، لكنْ ينبغي أيضاً تقييم مدى انخفاض طلب اليابان على النفط إثر تعرّضها لزلزال شديد ومدّ بحري (تسونامي) مدمّر في مارس، لأنّ هذا الانخفاض ينعكس بصورة مباشرة على الصادرات النفطية للسعودية. إذ تُعدّ اليابان أكبر مستورد للنفط السعودي في آسيا. ففي عام 2009، بلغ نصيب اليابان 27,8 في المئة من صادرات السعودية النفطية التي اتجهت إلى آسيا و15 في المئة من إجمالي صادراتها النفطية إلى العالم. كما أنّ اليابان رابع أكبر مستوردي السلع السعودية بعد الولايات المتّحدة والصين وألمانيا. وفي عام 2009، استوردت اليابان 7,6 في المئة من إجمالي الصادرات السعودية. ولفت إلى أنه طبقاً لبيانات المبادرة المشتركة لبيانات النفط، وصل معدل الانتاج النفطي السعودي إلى 8,51 مليون برميل يومياً في يناير، بعدما بلغ متوسطّه 8,16 مليون برميل يومياً في عام 2010، أما بيانات «أوبك» الأولية التي تستند إلى مصادر ثانوية، فتشير إلى ارتفاع الإنتاج النفطي السعودي في فبراير بصورة حادّة إلى 8,87 مليون برميل يومياً.