شهدت الأحياء الشمالية من العاصمة اليمنية صنعاء أمس حركة نزوح كثيفة تحت وطأة المواجهات العنيفة بين قوات الأمن ورجال القبائل من أتباع شيخ مشايخ قبيلة حاشد صادق بن عبدالله الأحمر، والتي تهدد بالاتساع لتشمل مختلف مناطق البلاد، في وقت نشطت مساعي التهدئة التي يبذلها وجهاء وأعيان القبائل لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بعدما قاربت حصيلة الضحايا 300 قتيل وجريح خلال أربعة أيام. وفي موازاة ذلك، استمرت المواقف الدولية المنددة بأعمال العنف وتزايدت الدعوات إلى الرئيس علي عبدالله صالح لاستجابة مبادرة مجلس التعاون الخليجي وتحقيق انتقال سلمي للسلطة. وعلى رغم أن حدة الاشتباكات خفت نهاراً وتحولت إلى رشقات متقطعة، إلا أن التوتر الشديد ظل مخيماً على أحياء الحصبة حيث منزل الأحمر والشوارع المجاورة، ما ينذر بعودة المواجهات في أي لحظة وامتدادها إلى سائر أرجاء العاصمة، في ظل استمرار استعدادات الجانبين الميدانية، وخصوصاً بعد الأمر الذي أصدره الرئيس صالح باعتقال الأحمر وأشقائه، وردّ شيخ حاشد بدعوة القبائل إلى الإسراع لمناصرته. وأظهرت الاشتباكات على مدى أربعة أيام أن لدى الشيخ الأحمر إمدادات لا يستهان بها من الرجال والعتاد، بحيث تمكن أنصاره من السيطرة على معظم المباني الحكومية الواقعة في نطاق حيه، بما في ذلك المركز الرئيسي لشرطة النجدة، وحاصروا مبنى وزارة الداخلية وأغلقوا عدداً من الشوارع الكبرى. وعلمت «الحياة» في صنعاء من مصادر متطابقة أن الرئيس صالح التقى أمس أعضاء لجنة الوساطة القبلية وأبلغهم استعداده لوقف إطلاق النار شرط أن يبدأ الأحمر بذلك وأن يخلي المقرات الحكومية من مسلحيه ويسحبهم بعيداً منها، مؤكداً انه يحاول تجنب توسع القتال وإراقة المزيد من الدماء. واتهم الأحمر بتفجير الوضع عبر استفزاز قوات الأمن وتهديد السكينة العامة، مشدداً على انه لن يسمح باستمرار هذا الوضع. وقالت المصادر نفسها إن الأحمر أبلغ الوسطاء أيضاً استعداده لوقف إطلاق النار لكن بعد أن يوقف صالح إطلاق النار من جانبه، وأشارت إلى أن الوسطاء لا يزالون يأملون في التوصل إلى اتفاق لوقف الاشتباكات. وكان الرئيس اليمني أمر أمس بالقبض على الأحمر وأشقائه، وأعلن موقع وزارة الدفاع اليمنية «26 سبتمبر» في رسالة نصية «صدور أمر من الرئيس بالقبض القسري على المتمردين أولاد الأحمر بغية محاكمتهم بالتمرد المسلح». ورد الأحمر بتأكيد أنه موجود في منزله ولا يستطيع أحد توقيفه وأنه بحماية رجال القبائل وحتى عناصر من القوات المسلحة والأمن، وقال إن صالح الذي فقد شرعيته «سيرحل حافي القدمين»، داعياً القبائل اليمنية إلى الإسراع لمناصرته. ودعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مجدداً أمس جميع الأطراف اليمنيين إلى وقف العنف فوراً، وحضّت الرئيس صالح على توقيع اتفاق المبادرة الخليجية لنقل السلطة، وقالت إن أميركا تدعم «يمناً موحداً ومستقراً»، وتؤيد رحيل صالح «الذي وافق باستمرار على التنحي عن السلطة ثم تراجع باستمرار عن ذلك». وجاءت دعوة كلينتون بعد يوم من توجيه واشنطن كل ديبلوماسييها غير الأساسيين وأفراد أسر العاملين بسفارتها في صنعاء إلى مغادرة البلاد. كذلك قررت بريطانيا خفض العاملين في سفارتها في صنعاء، وقال وزير الخارجية وليام هيغ في بيان «في ضوء الوضع الأمني المتدهور قررت تقليص عدد العاملين في سفارتنا إلى مستوى يكفي فقط للعمل في شأن أكثر المصالح البريطانية إلحاحاً وحيوية في اليمن، من خلال السحب الموقت لأربعة أعضاء من طاقم العاملين لدينا».