قررت الحكومة اليابانية تجميد العمل بمفاعلات الطاقة النووية عقب كارثة فوكوشيما، كما قررت الحكومات الصينية والألمانية والأميركية عدم المضي قدماً في تطوير مفاعلات نووية جديدة، وهي قرارات تصب في توجه واحد هو إعادة النظر في الطاقات المتجددة البديلة. فالكارثة فتحت العيون والآذان على تأثير إنتاج هذه الطاقة في بقاء الإنسان ووجوده. ونكاد نجزم بأن هذه الكارثة سهّلت قرار وقف العمل بالمفاعلات القائمة وتأجيل بناء محطات جديدة حتى إشعار آخر، على رغم عدم ثبوت حصول أي خطأ بشري حتى الآن، فالقوة الطبيعية كانت أقوى من كل شيء، إذ عجز الإنسان عن توقع حدوث زلزال وأمواج تسونامي بالعتو الذي عرفته اليابان، ليتخذ إجراءات احترازية مناسبة لحماية المفاعلات النووية، مهما بلغت التقنيات المتقدمة. لقد فشل الإنسان في التعامل مع الكوارث الطبيعة. مؤكد أن المفاعلات الحالية والعاملة في بقاع العالم، لن تغلق أبوابها ولن تتوقف عن العمل، لكنها ستخضع لشروط أقسى من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستعمل مجدداً على تحديث شروط الأمن والسلامة من الألف إلى الياء. ولن تقر الوكالة بناء محطات جديدة من دون شروط أكثر صرامة، تشمل زيادة كبيرة لعدد أنظمة السلامة. ينتج العالم حالياً كهرباء بالطاقة النووية بمعدل 25 في المئة في الدول الصناعية الكبرى، مثل الولاياتالمتحدةواليابان وألمانيا وكندا وكوريا الجنوبية وروسيا. لكن النسبة ترتفع في بعض الدول الأوروبية لتصل إلى 77 في المئة في فرنسا التي تبيع جزءاً كبيراً من كهربائها إلى إيطاليا. ولاعتماد إيطاليا على واردات الكهرباء من جيرانها، لم تبن مفاعلات نووية على أراضيها. وتعتمد بلجيكا على الطاقة النووية بنسبة 50 في المئة وسويسرا والسويد بنسبة 40 في المئة لكل منهما. إلا أن هذه الدول أوقفت العمل بزيادة عدد المفاعلات قبل فترة طويلة. والتوجه الأوروبي الحالي هو وقف العمل بالمفاعلات الحالية العاملة وتشديد الشروط الرقابية من الأمن والسلامة. أما الدول العربية، فلا تملك أي مفاعلات نووية باستثناء العراق الذي دُمر مفاعله عام 1982. وإن كانت هناك خطط حالية لبناء مفاعلات نووية في بعض الدول العربية، كالكويت مثلاً، إلا إن هناك مقاومة شعبية حادة ضد بنائها، وهناك اقتراح برلماني بعدم بناء مفاعلات نووية على الأراضي الكويتية وبحرها. وفي أبو ظبي لم يوافق سوى خمسة في المئة من المواطنين على توليد الكهرباء بالطاقة النووية، علماً أن هناك توجهاً عالمياً نحو الطاقات المتجددة الآمنة مثل الطاقة الشمسية والريح والماء. المطلوب من الدول العربية الخليجية أن تصب كل اهتماماتها وطاقاتها على الطاقة الشمسية ببناء مراكز بحوث وتطوير وجلب خبرات أجنبية متخصصة في هذا المجال، خصوصاً أن الدول النفطية تملك أموالاً فائضة تسمح لها بأن تكون رائدة في الطاقة الشمسية من جوانبها كلها، خصوصاً أن النفط هو مجال الطاقة لهذه الدول، ولا يضرها في شيء اكتساب خبرات جديدة ومتنوعة في طاقة منافسة. هناك من يقول إن هناك أكثر من 450 مفاعلاً نووياً في أكثر من 30 دولة وسجل السلامة النووي هو الأفضل مقارنة بكل الصناعات وإن فوائد المفاعلات اقتصادية، مستغرباً الضجة التي أعقبت حادثة فوكوشيما. لكن هل نسينا أو تناسينا كلفة التخلص من النفايات النووية، ومن سيتحمل كلفتها أو من سيوافق على دفن هذه النفايات على أراضيه؟ على رغم أن اليابان دولة صناعية كبيرة ومتقدمة في مجال البيئة والسلامة ويتمتع أهلها بحس صحي، وقعت فيها أكبر كارثة وكانت خارجة عن إرادتها. فما بالنا نحن في الدول العربية حيث نفتقر إلى مراكز لبحوث الأمن والسلامة، ونكاد لا نؤمن بهذه الثقافة؟ ولماذا لا تنشئ الدول الخليجية النفطية مراكز بحوث لتطوير الطاقة المتجددة مثل الشمس، بينما نملك أموالاً فائضة وبإمكاننا الاستعانة بأفضل العقول والخبرات لنتقدم في مجالات الطاقة المتجددة. أليس الأفضل أن نركز ونتعمق في صلب مجالنا النفطي والغاز، ونترك مجال الطاقة النووية لأصحاب التقنيات المتطورة وأصحاب الموارد البشرية والخبرات المتخصصة؟ ليس الوقت الحالي مناسباً للتفكير في الطاقة النووية، لكنه مناسب جداً للبحث في تطوير طاقات متجددة أخرى، خصوصاً الطاقة الشمسية، فلنركز عليها ولنبتعد عن الطاقة النووية الخطرة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة